محليات
سؤال بطهران
التنوع المذهبي في دول الخليج العربي واقع يجب التعايش معه وتوجيهه نحو التعاون والعيش الكريم؛ ولكن إيران لا ترغب في أن يتعايش العرب؛ فضلاً عن دول الخليج؛ بل المملكة خاصة، وقد حدث لي موقف في طهران عندما زُرتها مع وفد مجلس الشورى السعودي إبان عملي في المجلس؛ وذلك الموقف يؤكد كيف يكره السياسيون المملكةَ ويتمنون أن نتحارب، وأن تقوم الفتنة بين سنة المملكة وشيعتها؛ فقد ذهبتُ ذات مساء برفقة صديق بعد أن ألقينا الغُترة والعِقال، وسرنا في شوارع طهران حاسري الرؤوس، إلى أن أخذتنا أقدامنا إلى إحدى ضواحي طهران.. كان المكان جبلياً خلّاباً، يتخلله نهر جارٍ، زاده جمالاً ورِقّة وجذباً.. وقد اخترنا أحد المقاهي المُطِلّة على النهر، ودعونا النادل؛ وإذا به يتحدث اللغة العربية وحين رأى هيئتنا وعَرَف أننا من المملكة العربية السعودية، رحب بنا.. وفجأة سأل عن مذهبنا: أشيعة أم سنة؟ فقلت له، وقد انتبه مَن حولنا لحديثنا، وعَلِقَت الأبصار بي وبصاحبي: اجلس حتى أخبرك بمذهبي.
فجلس الرجل وجاء فريق من أصحابه، والتفوا حولنا حتى يسمعوا الحوار؛ فرحبت بهم، وقلت: إنني أُشهد الله وأُشهدكم على محبة الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه، وسلامي عليه وعلى آل البيت في كل صلاة، وكذلك محبتي ودعائي لسيديّ الإمامين الحسن والحسين سِبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهما ملء قلبي ونور فؤادي، وكلما تذكرت مصرع سيدي الحسين أسبلت عيناي بالدموع ألماً وحزناً لما أصابه، ولو كنت ذاك اليوم الحزين موجوداً لسللت سيفي وبذلت روحي فداءً له، كما أقتدي بسيدي الإمام علي بن الحسين "زين العابدين"، وبابنه سيدي الإمام محمد الباقر، وابنه سيدي روضة العلم ومرجع الفقهاء الإمام جعفر الصادق، ثم ابنه الحبيب الإمام موسى الكاظم، وابنه علي الرضا.
وأخذت أُعَدّد باقي أئمة آل البيت الأطهار.. ثم قلت: أما فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فهي سيدتي وسيدتكم، وعمتي وعمتكم، لها حبنا ودعاؤنا، هي سيدة نساء أهل الجنة، وبضعة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم سكتُّ هُنَيهة آخذاً نَفَساً لأكمل الحديث؛ فهش الحضور لحديثي وصفقوا طرباً، وقالوا: إذاً أنت شيعي المذهب، شيعي المعتقد. قلت: على رسلكم أيها الأحباب؛ فأنا لم أُكمل حديثي بعد!
قالوا: وهل بقي ثمة شيء؟ قلت: نعم؛ فبقدر حبي ومودتي لأسيادي وأحبائي آل البيت، جعلني الله وإياكم معهم في جنة الخلد؛ فأنا كذلك أحب جميع أصحاب سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لا أحب الصديق أبا بكر رضي الله عنه الذي صدّق النبي صلى الله عليه وسلم حين كذّبه قومه، وآزره حين خذلوه.. وإذا كان القرآن يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً أنه ثاني اثنين في قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}؛ فإن الصديق أبا بكر هو الثاني المقصود في هذه الآية الكريمة.
أما الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإمام العادل، الذي ما رآه الشيطان سالكاً فجاً إلا سَلَكَ فجاً غيره؛ فإن مكانته في الإسلام تدفعني إلى أن أذود عن تاريخه، وأذب عنه الافتراءات، ولا أرضى أن يتطاول عليه كائن ما كان.
كذلك مودتي ومحبتي لأمير المؤمنين الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، مجهّز جيش العُسرة، وذي النورين، الذي استأمنه النبي صلى الله عليه وسلم وزوّجه ابنتيه (رقية، وأم كلثوم)، أُخْتيْ الزهراء، واستأمَنَتْه الأمة على خلافتها.
أما أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر (رضي الله عنها) فهي الزوجة الطاهرة، وأستاذة الأمة، وهي أمي وأمكم، وسيدتي وسيدتكم، وأستاذتي وأستاذتكم.
ومضيت أعدّد وأذكر من مناقب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأخذت الناس الحيرة، وغشاهم الوجوم؛ فأدبياتهم لا تعرف إلا أن مَنْ يحب هذا يُعادي ذاك! وكنت أعرف ذلك، ووفقني الله في أن ألفت انتباه هؤلاء البسطاء إلى أن الأمر ليس كما صوّره لهم متعصبُوهم وحامِلُوا رايات الفتنة والفرقة.. وقد تعجبوا وتساءلوا: يا رجل، كيف يكون هذا؟! قلت: أنا وأنتم يجب أن نكون كذلك.. وقد رحلت عنهم، وما أجبتهم الإجابة التي توقعوها، وتركتهم في حيرتهم وعجبهم يترددون.
بل قلت لهم: أرجوكم ترحّموا على بقية آل البيت الأطهار من أبناء سيدنا الإمام علي وإخوة الإماميْن الحسن والحسين؛ ترحّموا على أبي بكر بن علي بن أبي طالب، وعمر بن علي بن أبي طالب، وعثمان بن علي بن أبي طالب.. ودعوتهم ورجوتهم أن يتساءلوا: لماذا سمى علي رضي الله عنه أبناءه على أسماء الصحابة الكرام والخلفاء العظام (أبي بكر، وعمر، وعثمان)؛ أليس ذلك للمحبة التي بينهم.. وهل يسمي الإنسان أبناءه إلا بأسماء أهل الحب والود.
ثم عدنا أدراجنا إلى مقر إقامتنا، وفي المساء كان السفير السعودي قد أقام لنا حفلة عشاء، وكان من بين الحضور مجموعة من الإيرانيين وبعض الشخصيات السياسية المعروفة، وحين جلست على طاولة الطعام كان بجواري السيد محمد سعيد نعماني مستشار في الحكومة الإيرانية، وكان يتحدث لغات عدة، وأثناء تناولنا الطعام، سألنا: كيف انطباعكم عن إيران؟ وهل تسنّى لكم الذهاب في جولة حرة؟
قلت: إيران جميلة، وقد التقيت عصر اليوم بمجموعة من الإيرانيين، ودار بيننا نقاش حول المذهب والمعتقد! حيث سألوني عن مذهبي؟
فقال: وماذا دار بينكم؟ فقصصت عليه القصة وأعدت عليه الخبر؟ وحين أنهيت حديثي عن آل البيت وثنائي عليهم، صفّق بحركة لا شعورية؛ فانتبه الحضور، وقال: إذن سيقولون إنك شيعي؟ فأكملت له بقية الحوار وما صار. وإذْ به يتكئ على مرفقه وصار ينظر إليّ شزراً وبشيء من التأمل والاستغراق، ثم قال: كلامك هذا يُرْبِك، من أنت؟ وماذا تعمل؟ إن ردة فعل هذا السياسي الإيراني لها دلالتها في عدم التسامح والتقارب، واتخاذ المذهب غِطاءً لنشر الكراهية والتنازع، وهذا ما يجب علينا نحن أبناء المنطقة سنة وشيعة إدراكه؛ فلا نسمح لإيران أن تُفرّق وحدتنا واجتماعنا.