وصف الدكتور طلال الطريفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يوم التأسيس 22 فبراير على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بأنه يوم عظيم في تاريخنا الوطني المشرف، ويحق لنا نحن السعوديين أن نفخر به ونحتفي؛ لما يمثله من عمق تاريخي وأصالة وامتداد لهذا الوطن المعطاء بكل مراحله وتطوراته؛ وليس أدل على ذلك مما يحياه السعوديون اليوم من فخر واعتزاز.
وأوضح خلال سلسلة تغريدات على حسابه في "تويتر" بأن تأسيس الدولة السعودية الأولى لا يمكن أن يكون منطقيًّا إلا ببداية عهد إمارة الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-؛ فهو الرجل الذي نقل الدرعية من المدينة الدولة إلى الدولة. مشيرًا إلى أن الدرعية منذ تأسيسها من قِبل الأمير مانع المريدي (الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-) في 850هـ (1446) كانت تمثل المدينة الدولة في المفهوم الفلسفي للتاريخ، واستمرت على هذا المفهوم في عهد ذريته إلى سنة 1139هـ (1727).
وأضاف: لم يتغير هذا المفهوم ويتبدل إلى الدولة بمفهومها الكبير إلا بعد أن تولى الإمام محمد بن سعود الدرعية؛ إذ جاء في ظروف استثنائية ملأى بالتحديات، بين ظروف داخلية وضعف اقتصادي ووباء الطاعون الذي حصد أرواحًا عدة في الجزيرة العربية، ومع بداية الدولة وتأسيسها بعهد الإمام محمد كان يعمل على حل المشكلات ويجتازها بمراحل، بدءًا من فرض الاستقرار السياسي ليس في محيط إمارته الدرعية فحسب، بل سعى لفرض الأمن العام في إقليم العارض كافة؛ باعتبار الدرعية كانت الأقوى والأكثر تأثيرًا في الاستقرار.
وبيَّن أن الاستقرار السياسي انعكس إيجابًا على الحياة الاقتصادية التي باتت تنشط بشكل مطرد لما وجدته القوافل، سواء التجارية أو قوافل الحج، من أمن على غير ما كان قبل الإمام محمد بن سعود، وصارت الدولة تفرض هذه الحال الأمنية التي نشطت معها التجارة، وارتفع المستوى الاقتصادي.
وعلى المستوى الاجتماعي لم يكن الناس يشعرون بالطمأنينة والأمن كما حدث مع الإمام محمد بن سعود، الذي هيأ لهم وطنًا ودولة ذات سيادة، وقوة فرضت الأمن، وارتفع المستوى المعيشي للناس؛ فصار التواصل الاجتماعي في الأفراد والجماعات ينشط أكثر من ذي قبل، وعلى المستوى الفكري والديني؛ فقد سعى الإمام محمد بن سعود إلى دعم الجانب العلمي؛ لذلك قام بنصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية لإيمانه بها، ومعرفته بحاجة الناس إليها؛ لأنه كان يؤمن بضرورة إصلاح البعد العقدي، ومحاربة البدع والخرافات، وزيادة الوعي الديني.
وأكد أن الإمام محمد بن سعود خطط لتغيير النمطية التي كانت سائدة في المنطقة؛ فأسس مسارًا جديدًا في التاريخ، وعمل على تأسيس مفهوم الوحدة بكل ما تحمله من معنى في التعليم، ونشر الثقافة، وتعزيز الأبعاد الاجتماعية، وفرض حالة الأمن العام بين الناس؛ لتتطور حياتهم؛ إذ انعكست سياسة الإمام محمد بن سعود بعد عام (1727) على حياة الناس في الدرعية ومحيطها، بما يوافق طموحهم وآمالهم بإشاعة الأمن، ليشعروا بعد ذلك بالمعنى الحقيقي للوطن.
وأشاد "الطريفي" بالإمام محمد بن سعود، ووصفه بأنه حمل فكرًا مختلفًا واعيًا لكل ما يدور حوله، وصاحب نظرة سياسية عميقة؛ لذلك عمل على مواجهة التحديات التي كانت ماثلة في عهده حين تولى الإمارة 1139هـ (1727)، وغيَّر من وجه التاريخ في محيطه، بفرض الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني.
وأضاف بأن الإمام محمد بن سعود كان صاحب نظرة شمولية، ورجلاً صاحب مبدأ وقيم عالية جدًّا. فمن الأشياء التي تؤكد أصالته وحكمته وحسن سريرته أنه كان سببًا في إعادة أمير الرياض دهام بن دواس لإمارته حينما واجه مشكلة داخلية، وذلك بإرسال أخيه مشاري لهذه المهمة. مشيرًا إلى أن دهام بن دواس هو المعروف بعدائه الدائم للدولة السعودية الأولى بعد ذلك، وعلى الرغم من ذلك يتأكد لنا أن الإمام -رحمه الله- كان صاحب معروف على مَن تحول لعدو فيما بعد؛ لذا لم يكن الإمام محمد يومًا بادئًا بعداء، ويسوس دولته بكل حنكة ونقاء.
وبيَّن أن موقف الإمام الداعم لدهام بن دواس في البدايات يؤكد لنا أيضًا أن الإمام محمد بن سعود كان يمد يده لكل الكيانات السياسية المحيطة به، وذلك باحتواء الزعامات.. وحتى انضمامهم للدولة السعودية كان انضمامًا عن قناعة وإيمان، وثقة عالية بقدرات الإمام، وإيمانًا بأهدافه العظيمة.
وأشار "الطريفي" إلى أن القوة التي بدأت بها الدولة السعودية الأولى في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية كانت لما فرضه من ترابط وإيمان بالوطن؛ لذلك لم تستطع القوى أن تجهض قيامها، بل حقق السعوديون انتصارات عدة.. لافتًا إلى أن التطورات التي حدثت منذ تسلُّم الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية بتوحيد الداخل والخارج جعلته يتطور حتى في ألقابه من أمير إلى إمام، كما هو الحال في أي تطور لألقاب الرجال الذين غيَّروا وجه التاريخ، ومن ذلك ألقاب المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-.
وقال إن ما تم بعد وفاة الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- سنة 1179هـ (1765) من تطور واتساع في حدود الدولة السعودية الأولى كان بفضل الله تعالى، ثم رؤية الإمام وخططه التي آمن بها في بداياته حين تولى الدرعية، حتى اتسعت حدود الدولة إلى أطراف الشام والعراق واليمن والخليج العربي؛ إذ انتشر ظل الدولة على مساحة شاسعة بفضل الله، ثم بنقاء هذه الدولة وعظم مقاصدها.
وأبان "الطريفي" أن الإمام محمد بن سعود تولى في ظروف استثنائية؛ لذا كان رجلاً استثنائيًّا؛ لأنه لم يَسِرْ وفق سياق المدينة الدولة التي أشرنا إليها، بل عمل على الانطلاق لتأسيس الدولة الوطنية، التي كانت أساس الدولة السعودية بكل مراحلها: الأولى والثانية والمملكة العربية السعودية.
وأضاف: الإمام محمد بن سعود جاء بعده أبناؤه وأحفاده من الأئمة والملوك في عصر الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، إلى عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-؛ إذ آمن الأبناء والأحفاد برؤية الإمام الأول، وساروا على المنهج ذاته؛ ليؤكدوا مبادئ التأسيس الأول. وأكد أئمة وملوك الأسرة السعودية بسياستهم وحنكتهم أن الرؤية ذات أبعاد عميقة في الحفاظ على الوطن الذي بدأ منذ قرون وفق المبادئ ذاتها، مع الأخذ بكل ما هو داعم للتطور والتقدم.
وأشار إلى أن هذا التحول الذي قام به الإمام محمد بن سعود جاء بأبعاد كبرى في تاريخنا الوطني؛ فإنه يوم تأسيس حقيقي؛ لأنه أساس عميق جدًّا لهويتنا، توَّج مجهودات السابقين من الأسرة السعودية المالكة التي يمتد تاريخها لستة قرون من التاريخ مع الأمير مانع المريدي.
واختتم "الطريفي" بأن الإمام محمد بن سعود قام بتنمية بذرة مباركة، ووسع مفاهيمها، بذرة بدأت منذ ستة قرون؛ فحولها إلى ظل واسع، شكَّل به مفهومًا وطنيًّا، وحد الناس تحت قيادة أسرة مباركة، نقشت حبها في قلوب أبناء الوطن كافة، من البحر إلى البحر في الجزيرة العربية.
لقد أنبتت هذه البذرة شجرة عظيمة ومباركة منذ مانع المريدي -رحمه الله- مرورًا بكل الأمراء بعده، إلى الإمام محمد بن سعود الذي قرر أن ينقل المفهوم إلى ما هو أشمل وأوسع، ويحتوي الوطن بكل أرجائه الطبيعية؛ لنصل اليوم إلى السعودية العظمى.. وحق للوطن وأبنائه الفخر والاحتفاء بيوم التأسيس على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- يوم 22 فبراير.