لم يكن تعامل المملكة مع الجائحة عاديًّا كبقية الدول الأخرى؛ فقد كان مميزًا منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها الفيروس في أرض المملكة، واتسم هذا التعامل بالحكمة والإنسانية، التي تابعها العالم عن كثب، وأشاد بها، وأكد أن المملكة كانت نموذجًا فريدًا في التضحية والإيثار من أجل التخفيف من تداعيات الجائحة على جميع من يعيش على أراضيها، دون تفرقة بين مواطن ووافد.
وكعادتها دائمًا في مثل هذه الظروف الاستثنائية، كانت أجهزة الدولة المختصة -بتوجيه من حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين- في الموعد وعلى مستوى المسؤولية؛ حيث قامت أجهزة الدولة المعنية كمنظومة متكاملة، بتنفيذ الإجراءات اللازمة والكفيلة بالتخفيف من خطر فيروس كورونا منذ اللحظات الأولى لإعلانه جائحة عالمية؛ وذلك في دلالة واضحة على استشعار المسؤولية والاهتمام بالإنسان -مواطنًا ومقيمًا- وجعله على رأس الأولويات.
حديث الملك
وفي بداية الجائحة، وجّه خادم الحرمين الشريفين، كلمة قال فيها: "فتعلمون حفظكم الله ورعاكم، ما يعانيه العالم بسبب تفشي جائحة كورونا المستجد، كفانا الله وإياكم والعالم أجمع شرها. إننا نعيش مرحلة صعبة في تاريخ العالم، ولكننا ندرك تمامًا أنها مرحلة ستمر وتمضي رغم قسوتها ومرارتها وصعوبتها، مؤمنين بقول الله تعالى: {فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا}، وستتحول هذه الأزمة إلى تاريخ يثبت مواجهة الإنسان، واحدة من الشدائد التي تمر بها البشرية. إن بلادكم المملكة العربية السعودية، مستمرة في اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، والحد من آثارها، مستعينة بالله تعالى، ثم بما لديها من إمكانات، في طليعتها عزيمتكم القوية في مواجهة الشدائد بثبات المؤمنين العاملين بالأسباب".
وتابع خادم الحرمين: "إن ما أظهرتموه من قوة وثبات وبلاء حسن، ومواجهة مشرفة لهذه المرحلة الصعبة، وتعاونكم التام مع الأجهزة المعنية؛ هو أحد أهم الروافد والمرتكزات لنجاح جهود الدولة، التي تجعل المحافظة على صحة الإنسان في طليعة اهتماماتها ومقدمة أولوياتها".
وقال حفظه الله: "واصلت المملكة جهودها في اتخاذ مزيد من الإجراءات الاحترازية والوقائية؛ وذلك لمواجهة الآثار الناجمة من استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد؛ للحد من تأثيره على الاقتصاد السعودي والشركات المتضررة من تلك الأزمة. وأجمع خبراء اقتصاديون ومحللون على أن تلك الإجراءات والتدابير المالية الوقائية التي تم اتخاذها مؤخرًا؛ هي بمثابة حلول لتخفيف الأزمة وتقليص حدة آثار تفشي الفيروس وليست علاجًا نهائيًّا".
الحضور الفاعل
وهكذا دائمًا المملكة، تتسم مواقفها بالجاهزية والحضور الفاعل، وتسخير كل الإمكانات دون تحفّظ أو ادخار للجهد أو المال أو الوقت لوضع الاحتياطات الاحترازية اللازمة للحفاظ على حياة الإنسان وصحته وكرامته وإنسانيته.
وهذا أمر ليس بمستغرب من حكومة المملكة التي عُرفت بالمبادرات الإنسانية خارج حدودها، والإسهام في درء الكوارث والمحن والظروف الطارئة في جميع أنحاء العالم؛ فضلًا عن جاهزيتها العالية لمواجهة الظروف الاستثنائية داخل أراضيها.
لكن الإجراءات الاحترازية التي تمت لمواجهة هذا الفيروس الذي اجتاح العالم، أكدت حكمة القيادة ونظرتها العميقة تجاه الوباء بالمستوى المناسب، ووضع الترتيبات الكفيلة بالتصدي له في التوقيت الأنسب، وتسخير كل الإمكانات وعمل الإجراءات المميزة اللازمة على مختلف المستويات.
التدابير اللازمة
على الصعيد الاجتماعي، وضعت الدولة التدابير اللازمة منذ الوهلة الأولى؛ حيث تمت التوعية المناسبة عبر مختلف وسائل الإعلام، وتبصير أفراد المجتمع بالتصرفات الواجب اتباعها لمنع انتشار الفيروس، وتبع ذلك تعليق الدراسة في كل المراحل؛ حفاظًا على صحة المواطنين والمقيمين ومنعًا لانتشار الفيروس، وكذلك تعليق مختلف الأنشطة الرياضية؛ حتى وصلت الإجراءات تدريجيًّا إلى تعليق حضور العاملين للمكاتب الرئيسية للقطاع الحكومي، ثم تَبِعه القطاع الخاص، مع استثناء الجهات التي يتطلب الأمر استمرارها وفق إجراءات تحددها الجهات المختصة، وصولًا إلى توعية السكان بضرورة البقاء في المنازل كحجر احترازي تمشيًا مع سياسة محاصرة الفيروس وتطويقه، وفق تعليمات منظمة الصحة العالمية.
الصعيد الصحي
وعلى الصعيد الصحي، أعدت الجهات المختصة - منذ اللحظات الأولى لظهور الفيروس -وعلى رأسها وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة- كل الاحتياجات والاحتياطات اللازمة لحجر المشتبه بإصابتهم بالفيروس القادمين من بعض الدول المتأثرة بالفيروس، وكذلك الذين انتقل إليهم الفيروس بالمعايشة والمخالطة والاحتكاك، ووضعت الدولة كل إمكاناتها للتقليل من هذا الخطر ومحاصرته وتطويقه في أضيق نطاق؛ حفاظًا على صحة المواطنين والمقيمين، ووفرت كل الاحتياجات الطبية اللازمة، وقدمت الخدمات الطبية الوقائية أو العلاجية على مستوى رفيع.
القطاع الخاص
أما على الصعيد الاقتصادي؛ فقد وضعت الدولة خطة عاجلة ومدروسة لتفادي أي أضرار اقتصادية قد تترتب على تداعيات هذا الوباء الممتد بطول الكرة الأرضية وعرضها؛ حيث أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي تقديم 50 مليار ريال لتخفيف الآثار المالية والاقتصادية المتوقعة من "كورونا" على القطاع الخاص؛ خصوصًا المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهذه خطوة تدل على حكمة القيادة وفطنتها وإدراكها للأبعاد الاقتصادية لمثل هذه الأوبئة، وتداركها للأمر وتحوطها منذ وقت مبكر قبل الدخول في أي حسابات معقدة لاحقًا؛ حيث وضعت الدولة هذه التدابير الصحية والاجتماعية والاقتصادية المحكمة بوعي وجاهزية عالية وفي توقيت مناسب؛ حفاظًا على صحة الإنسان وحياته واهتمامًا به.
واتخذت المملكة قرارات اقتصادية لتخفيف الآثار المالية والاقتصادية من تداعيات الجائحة على الأفراد القطاع الخاص والمستثمرين. وصدر أمر ملكي بتمديد عدد من المبادرات الحكومية مدة إضافية، لتحقيق الاستفادة الكاملة من المبادرات التي أعلنت منذ بداية الجائحة. وأعلنت الحكومة عن مجموعة مبادرات العاجلة وصلت إلى 142 مبادرة استهدفت الأفراد ومنشآت القطاع الخاص والمستثمرين، تجاوزت بقيمتها 214 مليار ريال. بالإضافة لتشكيل عدد من اللجان الوزارية وبمتابعة مستمرة من الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع؛ حيث تهدف هذه اللجان لدراسة آثار وتداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد وتحدياتها باستمرار؛ وذلك في عدد من القطاعات والمناطق ودراسة فرص معالجتها سواءً بالدعم أو تمديد المبادرات أو غيرهما.
دعم السعوديين
وركزت المبادرات التي تمت الموافقة على تمديدها، على «دعم العاملين السعوديين، وإيقاف الغرامات، وتأجيل تحصيل الرسوم والإعفاءات، والإقرارات». ومن هذه المبادرات دعم العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة من تداعيات فيروس كورونا المستجد عبر نظام "ساند". وإيقاف الغرامات الخاصة باستقدام العمالة، ورفع الإيقاف مؤقتًا عن منشآت القطاع الخاص لتصحيح النشاط، واحتساب توظيف "السعودي" في نطاقات بشكل فوري لكل المنشآت، ورفع الإيقاف الخاص بحماية الأجور خلال الفترة الحالية، واستمرارية الخدمة لعملاء الصفوة على مدار الساعة، وتأجيل تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات لمدة 30 يومًا، مقابل تقديم ضمان بنكي، والتوسع في قبول طلبات التقسيط المقدمة من المكلفين دون اشتراط الدفعة المقدمة، وتأجيل سداد ضريبة القيمة المضافة عبر الجمارك لتكون من خلال الإقرار، وتعجيل سداد طلبات الاسترداد لضريبة القيمة المضافة والفحص لاحقًا، والإعفاء الجزئي من المقابل المالي للمنتهية إقامتهم (شهرًا) إضافيًّا من تاريخ انتهائها؛ على أن تمدد المبادرة لمدة (شهر) إضافي، إن استدعت الحاجة. وتمديد مدة مبادرة "تأجيل تنفيذ إجراءات إيقاف الخدمات والحجز على الأموال للمكلفين غير الملتزمين بسداد الضريبة والزكاة في الموعد النظامي" (شهرين) إضافيين من تاريخ انتهائها، وتكون فقط للمنشآت التي تعثرت عن سداد مستحقات الضريبة والزكاة التي حل موعد دفعها خلال فترة الجائحة؛ وذلك بداية من شهر مارس 2020م.