إن التشدُّد في نقد الدعاة، ووصفهم بالتعنت والتضييق على الناس، وتعميم التصرفات الفردية الخاطئة على كل داعية، وكأن صلاح الكون لا يتأتى إلا برفض هؤلاء، ونبذهم، وتشويه صورتهم في عيون وعقول العامة، قد اتخذها البعض رسالة سامية، يرى أنها طريق التقدُّم والصلاح للمجتمع، مستغلين ما تظهره وسائل الإعلام كافة من أعمال وتصرفات يندى لها جبين الإنسانية، كالذي تفعله داعش، والقاعدة، ويفعله المتشددون في كل الأحزاب والطوائف؛ فحمَّلوا الدعاة المصلحين وزر تصرفات الضالين؛ فظهرت أفلام عديدة، وبرامج كثيرة، تشوِّه الدعوة، وتحذِّر من الدعاة، وأنهم يظهرون ما لا يبطنون، وأن الدنيا في قلوبهم، وأما الدين فلا يتجاوز حناجرهم! وربما يكون البرنامج الذي تعرضه الآن قناة Mbc تحت عنوان (سيلفي) من هذا القبيل؛ إذ أثار ضجة واستنكاراً، وتباينت ردود الفعل حوله بين مؤيد لما جاء بالحلقات الأولى من هذا البرنامج ورافض ومستنكر لها. والحقيقة، إن التعميم في الأحكام لا يجلب عدالة، ولا يعطي تصوراً واضحاً، بل يشتمل على الظلم في أبشع صوره، ويتنافى مع ما ورد في القرآن الكريم، من عدم تحميل البريء جرم المذنب {أم لم يُنبَّأ بما في صحف موسى (٣٦) وإبراهيم الذي وفَّى (٣٧) ألّا تزر وازرة وزر أخرى (٣٨)} سورة النجم. فالمتشدد حقًّا ليس هو من أطلق لحيته، وقصّر من طول ثوبه، وارتضى لنفسه خشن الطعام وقليله، وزهد في ملاذ الدنيا، ما دام لا يلزم غيره بما ارتضاه لنفسه، ولا يعادي غيره ممن لم يتبع سبيله، إنما المتشدد هو من اتخذ لنفسه نهجاً وطريقاً، وألزم الناس بما ألزم به نفسه، وحارب من ناوأه، وعادى من خالفه، فذلك هو المتشدد الذي نرفضه حتى لو كان حليقاً، ويلبس ناعم الثياب، ويجلس على كبرى الموائد.