"لمد يد العون" لمن فقدوا أطرافهم.. "إنيبل" مبادرة سعودية لتوفير الأيدي الصناعية المطبوعة ثلاثية الأبعاد

تستهدف تركيب أطراف صناعية للأطفال والكبار بشكل مجاني
"لمد يد العون" لمن فقدوا أطرافهم.. "إنيبل" مبادرة سعودية لتوفير الأيدي الصناعية المطبوعة ثلاثية الأبعاد
تم النشر في

إن من أكثر التجارب إيلاماً وصعوبة في حياة الإنسان، أن يفقد عضواً من أعضائه، وقد يتسبب له ذلك بنوبات اكتئاب، وعدم القدرة على مواصلة الحياة بالشكل المأمول، ولكن من الممكن جداً أن يسهم تركيب أطراف صناعية بديلة في استعادته لوتيرة حياته الطبيعية.

يدٌ صناعية عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد قليلة التكلفة، هي فكرة مثيرة ومبتكرة يعمل عليها المهندس السعودي "مهند باحشوان" (31 عاماً)، الذي ألهمه مقطع فيديو على "يوتيوب" ليدٍ صناعية مطبوعة بطابعة ثلاثية الأبعاد، فقرر تأسيس مبادرة "إنيبل السعودية – e-NABLE Saudi" والتي نجح من خلالها في تقديم أيدٍ صناعية مجانية عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد للأطفال الذين يعانون من فقدان بالأطراف في المملكة؛ للتخفيف من معاناتهم.

امتداد عالمي

المبادرة الملهمة تعد امتداداً للمنظومة العالمية ""e-NABLE Community التي تتكون من أفراد من جميع أنحاء العالم أخذوا على عاتقهم صنع الأيدي والأذرع مجاناً لأولئك المحتاجين لجزء من أو كامل الأطراف من اليد، بسبب تشوه خلقي أو حادثة، وذلك عبر طابعاتهم ثلاثية الأبعاد.

يقول "باحشوان" لـ "سبق": "تتكون منظومةe-NABLE من أُناس وضعوا الخلافات السياسية والدينية والثقافية والشخصية جانباً ليجمعهم هدف واحد، وهو التعاون على تحسين وتوسيع دائرة المصادر؛ لتصميم وتوفير الأيدي والأذرع لكل شخص يعاني من تشوّه أطراف اليد، أو كل شخص فقد إحدى يديه أو كلتيهما بسبب حروب، أمراض أو الكوارث. ويتكون أفرادها من المعلّمين، الطلّاب، المهندسين، العلماء، الأطباء، المصممين، الآباء، الأمهات، الأطفال، الفنانين، المبرمجين وكل حالم يريد صناعة الفرق، ومساعدة العالم بمد (يد العون)".

شباب الجامعات

ويستهدف الشاب السعودي الاستعانة بعدد كبير من المتطوعين لاستكمال المبادرة، وذلك عبر التعريف بمشروعه بين الشباب في الجامعات، ويقول في هذا الصدد "نظراً إلى كون المبادرة غير ربحية وتهدف إلى تقديم خدمة مجتمعية تحتاج إلى تقنيات ذات تكلفة بسيطة، وتستهدف فئة من المجتمع في كافة أنحاء المملكة؛ فارتأينا أن تكون الجامعات السعودية جزء من هذه المبادرة، وذلك نظراً لدور الجامعات الفعّال في تعزيز خدمة المجتمع، مع وجود إمكانيات تقنية تسهّل تحقيق الهدف ووجود طاقات شابّة تتمثل في طلاب وطالبات الجامعات".

ويضيف "من هذا المنطلق، قمت بإعداد مشروع بحثي مفصّل، وهو عبارة عن برنامج خاص بالجامعات باسم e-NABLE University Project وهو مشروع يجمع بين المحاور الإنسانية، الاجتماعية، الصحية، والتنموية، ويتمثل في مبادرة جامعية مستدامة، تعد الأولى من نوعها بحيث يتولى قيادة المشروع مجموعة من الطلاب الجامعيين المتطوعين والمدعومين من جامعاتهم، والقطاعات العامة والخاصة وغير الربحية، والمنظمات الخيرية العالمية؛ لتوفير أيدي صناعية باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد في مجتمعاتهم المحلية دون مقابل مادي، بحيث تكون إنيبل السعودية هي المرجع الرئيسي للمجموعات الطلابية في الجامعات".

ويتابع "أهدف كذلك من خلال المبادرة إلى رفع مساهمة الجامعات والقطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي؛ تماشياً مع رؤية 2030، وذلك عن طريق تمكين الأفراد من الفئة المستهدفة، إضافة إلى تعزيز دور الجامعات كمؤسسات بحثية لتقديم الحلول التقنية عن طريق الشراكات الناجحة مع القطاعات العامة والخاصة وغير الربحية؛ مما يساهم في رفع مستوى الإدراك العام بدور الجامعات في المشاريع التطوعية، وغرس وتنمية قيم العمل التطوعي لدى أفراد المجتمع، وأخيراً تقديم نموذج مشروع ناجح قابل للتنفيذ بسهولة في أي جامعة من جامعات المملكة".

تكلفة يسيرة

وبحسب صاحب المبادرة فإن تكاليف تركيب أطراف صناعية تقليدية قد تصل إلى 100 ألف دولار أمريكي (375 ألف ريال) ولا تقل عن 5 الآلاف دولار (19 ألف ريال)، بينما اليد المطبوعة التي تقدمها "إنيبل السعودية" تكلف 50 دولاراً فقط (190 ريال)، وعن السبب في قلة تكاليفها يقول "باحشوان": أن "المكونات في اليد المطبوعة لا تحتوي على أجهزة معقّدة أو باهظة الثمن، بعكس الأطراف الصناعية التقليدية، بل تعتمد اليد كليّاً على حركة الرسغ، فتقوم اليد بمحاكاة حركة القبض أو البسط بمجرد ثني الرسغ، كما تتوفر عدة تصاميم للأيدي المقدّمة من "إنيبل" ذات المصدر المفتوح، والتي تتيح مجال التعديل والتطوير المستمر من قبل كافّة المهتمين في أنحاء العالم، بالإضافة إلى ذلك فإن الطباعة ثلاثية الأبعاد تمكّن المستخدم من إعادة طباعة النموذج بقياسات مختلفة مراعاة لنمو الطفل".

للجميع بدون استثناء

والأطفال ليس هم فقط المعنيين بمبادرة "إنيبل" بل تستهدف جميع الفئات بدون استثناء، وإن كانت تركز على الأطفال حالياً؛ لكون التأثير النفسي لفقدان الأطراف على الأطفال يختلف تماماً عنه لدى الكبار في السن، وقد يتسبب في عزلتهم وفقاً لصاحب المبادرة.

وعلى الرغم من أن "إنيبل العالمية" تأسست لتوفير الأيدي الصناعية للمحتاجين في جميع أنحاء العالم، وتسير على خطاها "إنيبل السعودية"، إلا أن "باحشوان" أكد أن باب المبادرة مفتوح للمتطوعين لطباعة أطراف صناعية أخرى غير الأيدي.

التجاوب الذي وجده الشاب السعودي من المحيطين به، ومن المتطوعين من الشباب والبنات هو ما رفع روحه المعنوية، ويدفعه دفعاً لمواصلة مشروعه الملهم، وأشار إلى ذلك بقوله "وجدت تجاوب وتفاعل لم ألاحظه سابقاً، فهناك الكثير من أبناء وبنات هذا الوطن لديهم الرغبة في خوض تجربة فريدة من نوعها في مجال الأعمال التطوعية، كما وجدت الدعم المعنوي، والدعم الفعلي من أغلب المحيطين بي".

للعمل التطوعي "نكهة خاصة"

ولا يعيق العمل التطوعي "باحشوان" عن القيام بواجباته ومسئولياته الأسرية والمهنية، فالشاب الحاصل على الماجستير في الهندسة الميكانيكية، وعمل لمدة 4 سنوات في شركة "Dow Chemical" ثاني أكبر شركة بتروكيماويات في العالم، وقاد فيها فريق المهندسين لتأسيس مركز الأبحاث والتطوير، يعمل حالياً محاضراً في جامعة جدة، كما التحق بجامعة ""Imperial College London للحصول على درجة الدكتوراه، وهي جامعة شهيرة تحتل المركز الثامن عالمياً في تخصص الهندسة الميكانيكية، وتُعد رائدة في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد.

وعبر عن قدرته على تنظيم أوقاته، واعتزازه بالعمل الخيري إذ قال "شغفي بالطباعة ثلاثية الأبعاد دفعني إلى التخطيط والبحث عن طريقة لتوظيف هذه التقنية لوضع بصمة في خدمة وطني، فكما اتطلّع إلى كسب الرزق في مجالي المفضّل فإنّي كذلك أدير وقتي؛ بحيث أستطيع أن أترك أثر إيجابي على مجتمعي، فكل من شارك في أعمال تطوعيّة يعي بأن لها نكهة خاصّة ليست كمثل باقي الأعمال".

تحديات

وأشار صاحب المبادرة الملهمة إلى صعوبة الوصول إلى إحصائيات دقيقة عن الأفراد الذين يعانون من فقدان الأطراف في السعودية، لاسيما بيانات التواصل معهم، كما يحتاج إلى الدعم المادّي؛ للوصول إلى شريحة أكبر من الفئات المستهدفة وتقديم المساعدة لهم.

14 مليون هو عدد من فقدوا أطرافهم حول العالم، كما يتعرض مليون شخص سنوياً في جميع أنحاء العالم لبتر أطرافهم؛ بسبب الأمراض، والحوادث وفقاً بعض الإحصائيات، وبرغم غياب الأرقام والإحصائيات ذات الصلة في السعودية، إلا أن الواقع يضع المملكة أمام تحدٍ هائل لدمج هؤلاء مع أقرانهم في المجتمع.

رابط الفيديو: https://twitter.com/twitter/statuses/929382090667327488

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org