في 16 شوّال 1438هـ، تُوفي الشاعر الكبير محمد بن شبيب الحداري السليمي الحربي؛ عن عمر يناهز 98 عاماً، وغادر إلى مثواه الأخير بعد سنوات طوال كان خلالها ملء السمع والبصر؛ ليقضي أبناؤه وأحباؤه رمضان هذا العام من دونه لأول مرة.
وحدّث "سبق"؛ ابنه نواف؛ عن الشاعر الراحل، قائلاً: "مضى عامٌ ويأتي عامٌ وأعوامٌ تمضي وأعوامٌ تبقى وأنت يا والدي في ذاكرتنا خالدٌ وذاكرة التاريخ القريب من مُحبيك وهم والحمد لله كثر، ذكراك العطرة على ألسنة أهلك وذويك ومَن يعرفك لا يألو جهداً يدعو لك فعسى ربي يقبل دعاءهم".
حُسن الخاتمة
وأضاف: "ومن المفرح وهي بإذن الله من علامات حسن الخاتمة، أن هناك أناساً لا يعرفونك ولم تصلهم يد مكارمك وعطفك وكانوا يتمنون لقاءك يلهجون بالدعاء لك جزاهم الله خيراً"، مؤكداً أن رمضان الأول من دون والده، بلا شك مؤلم، إلا أن الإيمان بقضاء الله وقدره أمر واجب على المسلم, والموت سنة الحياة.
وعن شعر والده، أشار إلى أنه ليس هو أو أشقاؤه مَن يحكم على شعر والده؛ فالشعراء والعامة هم مَن حكموا على قوة ومتانة شعر والده، رحمه الله، مشيراً إلى أن فصاحة وقوة وجزالة شعر والده جعلته مع الجميع، وأصبحت بعض أبياته مضرباً من الأمثال، وبوفاته فقدت الساحة الشعرية أحد أعمدتها.
عن "المؤسّس"
ومما قاله الشاعر الراحل في الملك عبدالعزيز وهو يفتخر به:
"يستاهل الفنجال وعود القماري = اللي عمَر دارٍ ودارٍ دمرها
عبد العزيز اللي جرت له جواري = مقدم سرايا تعجب اللينظرها
كم هيةٍ خلى بها الدم جاري = فيها الجنايز مالقت من قبرها
وعلى شريف لابسات الخزاري = كلن تشلق ثوبها عن نحرها
يودع صماصيم القبايل وقاري = هجماتهم ماسرها منحضرها
وخلى كثير المال مثل الفقاري = وكم دار بدل ريفها في دهرها
ويعطي صناديق الذهب والسواري = وكل القبايل تنحره منديرها
سلطان نجدٍ بالرخاء والعساري = راعي براك للضعاف يفجرها".
يتعاهد ويصبر
وعن المواقف الخالدة بذاكرته لوالده، أشار إلى أن والده كان يتعاهد كل عام أصدقاءه جميعاً، ويزور الأصحاء منهم في منازلهم، والمرضى بالمستشفيات، ويتعاهد السؤال عن كل مَن رحل في رحلة علاجية، فيما لم يُقاطع أبناء مَن تُوفي منهم، وكثيراً ما كنتُ أصبِره عندما يتذكّر أحداً من أصدقائه المتوفين، إلا أنه يكون أقوى مننا في ذلك الصبر.
إصدار ديوان
وعن نيتهم إصدار ديوان باسم والده، أشار إلى أن أبناء "الحداري" وإخوانه ومحبيه، بصدد إصدار ديوان يحوي جميع قصائده المحفوظة والمكتوبة من غيره، لأنه - رحمه الله - لا يكتب شعره؛ بل يحفظه ويلقيه، والمهتمون يكتبونه.
صداقة العائلة المالكة
وعن رمضان ووالده، قال "نواف": إن والده كان يقضي جُلّ يومه بالمسجد وليله بالاعتكاف وقيام الليل، مؤكداً أن والده محل اهتمام ورعاية وصداقة مع العائلة المالكة الكريمة، ولاسيما الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، سابقاً، وأميرها الحالي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز.
تواضع وموروث
وقال وجيه قبيلة حرب بحائل، عبدالكريم بن رباح بن مطلق السليمي الحربي؛ إن الشاعر "الحداري" قامة عظيمة، تميزت شخصيته بالتواضع واللين مع القيادة وحسن الرأي، وأردف: "الموروث الشعبي الكبير الذي حمله الشاعر، جعله نبراساً بين جميع الشعراء وأهل الحكمة والصبر، ورزانة الرأي، الأمر الذي جعله مقصد الناس بمختلف حوائجهم".
وأشار إلى أن المجالس والمناسبات العامة للقبيلة أو غيرها، تحرص على وجود الشاعر الحداري؛ مع أمثاله في تلك المجالس للاستفادة منهم شِعراً وحكمة، مختتماً: "الشاعر الحداري شخصية اعتبارية في كل مواقفه التي لا يمكن حصرها في هذا المقام".
صارت مثلاً
وقال الشاعر ماجد هواش بن عايد الحربي: "الحداري"؛ أحد عمالقة الشعر الشعبي في عصره، وصاحب موهبة شعرية فذة، تجسّد ذلك بتعامله مع المواقف الشعرية في عصره، إذ ذهب بعض أبياته مثلاً متداولاً، كالبيت الذي يقول فيه: "مَن قال بالناس قالوبه = ومن عال تاتيه عيالي".
شخصية إنسانية
وأكد أن الراحل كان يحمل مقومات الشخصية الإنسانية قبل أن يكون شاعراً؛ حيث عُرِف عنه حبه للخير ومساعدة الآخرين منذُ شبابه وذلك بحسب رواية والده الشاعر المعروف هواش الحربي.
وأردف: كان شخصية متواضعة متسامحة يحبه الجميع، وفي الوقت نفسه صاحب شخصية قيادية في المجالس؛ حيث إذا ما تواجد في المجلس ما يلبث أن يلفت أنظار الحضور إليه بما يملكه من مخزون شعري وتراث سواءً كان له أم مما يرويه.
أكبر أن يقيّم
وعن شعره، أشار إلى أن شعر محمد الحداري؛ اكبر من أن يُقيّم، إذ أثبت مكانته في نفوس المتذوقين وتناقلته الركبان قبل الإعلام.
الساحة فقدت هرماً
وعن الساحة الشعرية بعده، أشار إلى أن الساحة الشعرية فقدت هرماً من أهرام الشعر الشعبي وركيزة من ركائزه، مُعتبراً وفاته خسارة كبيرة للساحة لن تعوض، إلا أنه لا اعتراض على قدر الله وسنته بالحياة.
نصيحة
وعن المواقف التي جمعته بالشاعر "الحداري"؛ أكد أنه نصحه ذات مرّة عن شعر المحاورة، مُعتبراً - رحمه الله - شعر المحاورة أحد أنواع الشعر التي قد تعتريها المُهاترات التي قد تجبر الشاعر على التلفظ بما لا يليق بمقامه.
مساجلات وحِكم
وتحدث عن المساجلات الشعرية، بين والده الشاعر هواش؛ والشاعر الحداري؛ وأوضح أن فارق العمر بين والده و"الحداري"؛ ست سنوات يكبر والده بها الشاعر الحداري؛ وقدّما عديداً من المساجلات الشعرية المملوءة بالحِكم النادرة.
وأما ضيف الله صالح العبدالمحسن؛ الذي التقى كثيراً الشاعر الحداري؛ فقد اكتفى بقوله: "ليس لديّ كلمات أو عبارات تفي الحداري؛ حقه, فلو ذكرت لكم الكثير فلن أكون قد وفيت، لذا أكتفي بأن أقول إنه يصعب على أي شخصٍ كان أن يحصي تاريخ "الحداري"؛ الشعري والرجولي والشامخ، فتمسكه بدينه وقامة شعره وبكرمه وطيبه وتواضعه، جعلت منه أنساناً متميزاً يحترمه جميع مَن عرفه ومَن لم يعرفه.
كلمات لا تفي
وقال زاهي الحداري: "حديثي عن عمي محمد لا توفيه العبارات، فقد كان مرجعنا في سوالف العرب وقصصهم، وكنا نحرص على الجلوس معه في مناسباتنا، فيما كنا نحرص على الجلوس معه فترة العصر، إذ يتأخر كثيراً في المسجد بعد صلاة العصر ونبقى ننتظره حتى خروجه؛ للحديث معه عن الشعر والقصص القديمة لأشخاص أبطال في مواقف عديدة".
حفل يسطر سيرة
يُذكر أن قبيلة حرب أقامت في الخميس 22 / 11 / 1432هـ، حفل تكريم شاعرها الكبير محمد الحداري؛ أشرف عليه الشيخ عبدالكريم بن رباح المطلق؛ وشهدت قاعة الأفراح بمحافظة الرس حضوراً منقطع النظير من قبيلة حرب، والقبائل كافة، واحتوى ذلك الحفل على عشرات القصائد من شعراء حرب والقبائل كافة، الذين سطروا سيرة "الحداري"؛ في أبياتهم التي احتوى كثير منها على مواقفه - رحمه الله - مع أبناء القبائل الأخرى.
إشادة وهدايا
فيما شهد الحفل كثيراً من الكلمات التي تشيد بالشاعر، وأهمها كلمة الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز؛ الهاتفية التي ألقاها على الحضور، فيما قُدمت له الهدايا التي تنوّعت بين السيارات الفخمة وأكثر من 150 هدية قيّمة أخرى من وجهاء وشعراء ومحبين.