دعا عضو مجلس الشورى والأكاديمي بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور منصور المزروعي، إلى توحيد الجهود على مستوى الدول العربية للتكيف مع المناخ والقدرة على الصمود والتنويه بخطر التغير المناخي وآثاره العالمية عمومًا والمحلية خصوصًا، وتكوين إدارة أزمات وكوارث في جامعة الدول العربية.
جاء ذلك في محاضرة قدّمها "المزروعي" بعنوان "التكيف مع المناخ والقدرة على الصمود في العالم العربي"، بالتعاون مع مركز دراسات واستشارات وطني وتحت شعار "رؤية مستقبلية: التكيف والصمود في مواجهة التغير المناخي والكوارث الطبيعية"، كمبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي والتبادل المعرفي حول أهمية التكيف مع التغير المناخي والتحديات التي تنشأ نتيجة الكوارث الطبيعية.
وأوضح "المزروعي" أنه في ظل التحولات العالمية المستمرة وتأثيرات التغير المناخي المتزايدة؛ أصبح من الضروري أن نتكيف مع هذه التحديات لبناء استراتيجيات قوية للتصدي لتأثيراتها المدمرة على البيئة والمجتمعات؛ مشيرًا إلى أن التغير المناخي والكوارث الطبيعية يشكلان تحديات جسيمة تؤثر على حياة البشرية وتتطلب استجابة فعالة ومستدامة من قبلنا.
وأشار إلى أنه تم تنظيم هذه الندوة العلمية بهدف تسليط الضوء على أحدث الأبحاث والممارسات في مجالات التكيف والصمود أمام التغير المناخي والكوارث الطبيعية؛ لمناقشات مثيرة حول التحديات المتعلقة بالتغير المناخي وكيفية التكيف والصمود أمامها، في ظل رؤية المملكة 2030 والريادة العربية في الشرق الأوسط تحت شعار العرب: حان وقت القيادة (Arabs: Time to lead)، حضرها العديد من المسؤولين المحليين والدوليين ومنهم وزير البيئة الليبي المهندس محمد عبدالحفيظ زايد، وعدد من المسؤولين الليبيين والعديد من المختصين من المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.
وسلّط "المزروعي" الضوء على الأبحاث الحديثة والتجارب النموذجية والممارسات الناجحة في مجال التكيف والصمود، بهدف تطوير استراتيجيات فعالة ومستدامة لمواجهة التحديات المناخية والكوارث الطبيعية، وعد أن هذه فرصة قيمة للتواصل والتعلم المتبادل بين الخبراء والمشاركين؛ حيث يتم تبادل الأفكار والمعرفة والتجارب الميدانية، ومن خلال توفير منتدى علمي؛ على أمل أن يساهم في تعزيز الوعي بأهمية التكيف والصمود في مواجهة التغير المناخي والكوارث الطبيعية، وتعزيز الجهود المشتركة للتحضير والتكيف مع هذه التحديات، وعلى أن يكون منصة للتعاون والابتكار، وتبادل الأفكار والاستراتيجيات والحلول المبتكرة. والسعي إلى تحقيق تأثير إيجابي يمتد إلى المستوى العالمي، من خلال تعزيز الوعي والتحفيز على اتخاذ إجراءات فعالة للتكيف والصمود أمام التغير المناخي والكوارث الطبيعية.
وشرح عضو مجلس الشورى مفهوم المرونة وأهميتها، وذكر أن المرونة هي قدرة النظام أو المجتمع أو الفرد على توقع الصدمات والضغوط ومقاومتها واستيعابها والتعافي منها؛ مما يضمن الاستدامة على المدى الطويل.. وذكر أن التغير المناخي يُعَد من أكبر التحديات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، فالتأثيرات المتزايدة للتغيرات المناخية تهدد النظم البيئية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم وفي العالم العربي؛ حيث يواجه السكان تحديات فريدة ومتعددة نتيجة للتغير المناخي؛ مما يتطلب منهم مستوى عاليًا من التكيف والصمود للتغيرات المناخية المتسارعة؛ فيما تعتبر المرونة أحد العوامل الحاسمة في تحقيق هذا التكيف والصمود؛ حيث تمثل القدرة على التكيف والتعامل مع التحديات والصدمات المناخية المتوقعة وغير المتوقعة.
وذكر "المزروعي" أن الدراسات العلمية تشير إلى أن العالم العربي يعد من المناطق الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي. فهو يتعرض لزيادة في درجات الحرارة، ونقص في توافر المياه، وارتفاع في مستوى سطح البحر، وزيادة في تكرار الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات، وتؤثر هذه التغيرات بشكل كبير على الموارد الطبيعية والزراعة والصحة والبنية التحتية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.
وضرب أمثلة لما تَعَرضت له الدول العربية؛ حيث أمطار جدة الغزيرة التي بلغت 74 ملم في عام 2009، وكيف أن المواطنين والمقيمين لم يكونوا على دراية بالأمطار.. وحسب إحصائيات الدفاع المدني فقد حدثت 120 وفاة، وأيضًا لم تكن توجد حينها أنظمة إنذار مبكر، وكان حينها الصمود منخفضًا؛ بعكس ذلك في عام 2011؛ حيث تحسّن الصمود، وحدثت أمطار غزيرة قدّرت بـ111 ملم حسب مرصد جامعة الملك عبدالعزيز.. ويلاحظ انخفاض عدد الوفيات وقيام بعض إجراءات الوقاية ومنها بناء السدود شرق المدينة.. وفي عام 2022 في نوفمبر 24، بلغت مجمل الأمطار 182 ملم ولكن مستوى الصمود كان عاليًا ولم تحصل إلا بعض الحوادث القليلة وكان هناك إنذار مبكر ومتابعة من مركز إدارة الأزمات والكوارث بإمارة منطقة مكة المكرمة وتعاون مع جميع الإدارات الحكومية وكانت تجربة ناجحة تمثلت في التعاون بين المركز الوطني للأرصاد وجميع الجهات المعنية والمتابعة الدقيقة للحدث حتى انتهت.
كما ضرب "المزروعي" مثلًا في إعصار مدينة درنة الليبية الذي حدث في سبتمبر 2023، وكيف أن الصمود كان منخفضًا، وحصد الإعصار أرواحًا عديدة تُقَدر بـ20 ألف وفاة، وكانت أكبر مصيبة تتعرض لها ليبيا، وضرب مثلًا للصمود في سلطنة عمان؛ حيث ضرب إعصار جونو في عام 2007 وكان الصمود حينها متوسطًا، ثم تحسن الصمود في إعصار تيج الذي ضرب سلطنة عمان في أكتوبر 2023، وكان الصمود عاليًا؛ حيث إن الأرصاد العمانية كانت تعطي الإنذار المبكر بشكل كافٍ وجميع إدارات السلطنة تتابع الحدث وتوجه رسائلها للمواطنين والمقيمين؛ فيما أشار إلى أن الصمود في الدول المتقدمة عالٍ؛ مثل اليابان وهولندا والمملكة المتحدة
وأبان أن المرونة تُعَد مفهومًا حيويًّا في سياق التكيف مع التغير المناخي، فهي تمثل القدرة على التأقلم والتكيف مع التحولات والتغيرات المناخية دون أن يتأثر النظام البيئي أو المجتمع بشكل كبير.. ويتضمن المفهوم العديد من الجوانب المهمة مثل التوقعات العلمية للتغيرات المناخية، والتخطيط الاستراتيجي للتكيف، والقدرة على تحمل الصدمات والضغوط المناخية، والقدرة على استيعاب التغيرات والعودة إلى الوضع الطبيعي.
وذكر المزروعي أن القدرة على التوقع والتخطيط الاستراتيجي للتغير المناخي واحد من أهم جوانب المرونة؛ فمن خلال فهم تأثيرات المناخ المتوقعة وتوقعات الطقس، يمكن للأفراد والمجتمعات العربية اتخاذ إجراءات تكيفية مبكرة وفعالة، ويشمل ذلك استثمارات في البنية التحتية البحرية والزراعة المستدامة، وتطوير تقنيات وأدوات جديدة للتكيف مع التحولات المناخية؛ ومنها استخدام الطاقة البديلة والسعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.
وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، تعد القدرة على تحمل الصدمات والضغوط المناخية جزءًا أساسيًّا من المرونة؛ فعندما يحدث حدث مناخي متطرف مثل الفيضانات أو الجفاف، يجب أن تكون هناك إجراءات متخذة مسبقًا للتخفيف من تأثيراته وتقليل الخسائر المحتملة، ويشمل ذلك إعداد خطط الطوارئ، وتعزيز البنية التحتية المقاومة للكوارث، وتعزيز قدرات الاستجابة للأفراد والمجتمعات المتأثرة.. علاوة على ذلك، تعتبر القدرة على استيعاب التغيرات والعودة إلى الوضع الطبيعي جزءًا أساسيًّا من المرونة؛ فعندما يحدث تغير مناخي مثل ارتفاع مستوى سطح البحر أو تدهور البيئة؛ يجب أن يكون هناك خطط لاستعادة النظم البيئية وتعزيز استدامتها، ويتطلب ذلك تعاونًا وتنسيقًا بين الأفراد والمجتمعات والجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى تبني الممارسات الزراعية والصناعية المستدامة".
وأضاف أن التكيف مع التغير المناخي والقدرة على الصمود في العالم العربي هي تحديات مهمة وضرورية؛ حيث يتطلب التكيف المناخي المرونة والتخطيط والتحضير المبكر، بالإضافة إلى تعزيز القدرة على تحمل الصدمات والضغوط المناخية وتعزيز الاستيعابية البيئية، وتعتبر الاستثمارات في التكنولوجيا الخضراء والتنمية المستدامة جزءًا أساسيًّا من هذه العملية، ويجب على الحكومات والمجتمعات والأفراد العرب العمل سويًّا لتعزيز المرونة والتكيف مع التغير المناخي، من أجل ضمان استدامة الموارد الطبيعية والاقتصاد والحفاظ على جودة الحياة في المنطقة.
وعرّج "المزروعي" على أن وزارة البيئة والمياه والزراعة عليها متابعة السدود الحالية وعمل صيانة لها وخاصة سد جازان وعكرمة، ومتابعة باقي السدود ومنها سد الليث، ومتابعة أيضًا المدن التي تتعرض للسيول؛ من خلال التأكد من أن مجاري الأودية لا تؤثر عليها؛ خاصة أن التغيرات المناخية واقع ملموس ولا يمكن تجاهله.
واختتم المزروعي ببعض التوصيات الاستراتيجية في مجال التغير المناخي والحد من الكوارث الطبيعية ومنها:
1- يتعين علينا مواجهة تحديات التغير المناخي في العالم العربي بقوة وتنفيذ استراتيجيات عمل فعالة.
2- التعاون والتنسيق لاستغلال البيانات وتحليلها: ينبغي تعزيز جهود جمع وتحليل البيانات المتعلقة بمخاطر التغير المناخي لزيادة فهمنا العلمي لهذه التحديات. ويمكن للبيانات وتحليلها أن توفر رؤى محورية تساهم في اتخاذ إجراءات فعالة ومستدامة، فالبيانات -وخاصة الأمطار- لا بد من معالجتها والتأكد من صحتها وتصحيح الأخطاء التي فيها وتوفيرها مجانًا للباحثين.
3- الاعتماد على نظم الإنذار المبكر: من المهم تطوير واعتماد نظم الإنذار المبكر لتحذير المجتمع من أخطار التغير المناخي المحتملة والتي يمكن أن تساعد في تقليل التأثيرات الضارة. ويمكن أن تكون البيانات والتحليلات هنا عنصرًا أساسيًّا لنجاح لهذه النظم.
4- ينبغي الاستفادة من التجارب السابقة في مواجهة الكوارث الطبيعية ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الناجحة مثل اليابان وهولندا والمملكة المتحدة في مجال تكنولوجيا البيئة لتحقيق نتائج إيجابية.
5- لتحقيق المرونة المناخية والاستدامة في العالم العربي، يتطلب الأمر مواجهة هذه التحديات بالعمل المشترك الذي يعتمد على التحرك الجماعي والعمل المشترك بين القطاع العام والخاص.
6- على جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي تفعيل مراكز الأزمات والكوارث والتعاون مع جميع الدول في أي كارثة تحصل لا سمح الله.
7- العمل الحالي في التغير المناخي مطلوب التعاون فيه ليس لنا فقط، ولكن للأجيال القادمة بإذن الله.
8- الاستفادة من الخبرات المؤهلة علميًّا وأكاديميًّا المحلية والعربية والدولية؛ لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة التغيرات المناخية والحد من الكوارث الطبيعية.
9- الاستفادة من الأبحاث والدراسات السابقة وخاصة في مجال التغير المناخي التي عملت في الوطن العربي وتحويلها إلى مشاريع تنفيذية لمواجهة التغير المناخي والحد من الكوارث الطبيعية.