"الإيجاز والإطناب" في القرآن.. بلاغة يَعجز عن استيعابها العقلُ البشريّ

في حلقة "سبق" الرمضانية "17" مع دكتور البلاغة والنقد "زيد الخريصي"
"الإيجاز والإطناب" في القرآن.. بلاغة يَعجز عن استيعابها العقلُ البشريّ
تم النشر في

من أهم الأساليب في القرآن الكريم "الإيجاز والإطناب"، حتى قال بعض البلاغيين: إن البلاغة هي الإيجاز والإطناب، ويرى الزمخشري أن من أساسيات البليغ معرفة مواطن الإيجاز والإطناب؛ يقول: "إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَلِيغِ فِي مَظَانِّ الْإِجْمَالِ أَنْ يُجْمِلَ وَيُوجِزَ، فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي مَوَارِدِ التَّفْصِيلِ أَنْ يُفَصِّلَ وَيُشْبِعَ".

وخصّصت "سبق"، في الحلقة الرمضانية "السابعة عشرة" من "قبسات بلاغية"؛ الحديث عن بعضٍ من بلاغة "الإيجاز والإطناب" في القرآن، وتستضيف فيها وبشكلٍ يوميٍّ طوال شهر رمضان المبارك، دكتورَ البلاغة والنقد "زيد بن فرج الخريصي".

قال "الخريصي": الإيجاز والإطناب من أهم الفنون البلاغية في القرآن الكريم، ومعرفتهما بحاجة إلى فطنة، وذكاء، وتذوق؛ للتعرف على موطنهما، وتحسس أسرارهما، ويعرف الإيجاز بأنه: "اندراج المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل"، وله نوعان: إيجاز قصر، وإيجاز حذف، ويقابله الإطناب وهو: "زيادة اللفظ على المعنى لفائدة"، وله أنواع: الإيضاح بعد الإبهام، وذكر الخاص بعد العام، وذكر العام بعد الخاص، والتكرير، والإيغال، والاحتراس، والاعتراض، والتذييل. وعُنِيَ البلاغيون بهذين الأسلوبين، يقول أبو هلال العسكري: "والقول القصد أن الإيجاز والإطناب يحتاج إليهما في جميع الكلام وكلّ نوع منه، ولكل واحد منهما موضع؛ فالحاجة إلى الإيجاز في موضعه كالحاجة إلى الإطناب في مكانه، فمن أزال التدبير في ذلك عن جهته، واستعمل الإطناب في موضع الإيجاز، واستعمل الإيجاز في موضع الإطناب؛ أخطأ".

الأصل في الإيجاز والإطناب

وأضاف "الخريصي": وللإيجاز مقامات تقتضيه، ومواضع تلائمه؛ كالحكم، والأمثال، مما يحسن فيه الإيجاز، ولا يحسن فيه الإطناب، وكالخطب، والكتب، مما يحسن فيه الإطناب ولا يحسن فيه الإيجاز؛ لذا لا يمكن أن نفضّل أحدهما على الآخر؛ لأن لكل مقام أسلوبه، ولكل مقام مقال، والبلاغة موافقة الكلام لمقتضى الحال.

إيجاز القِصر

وأتبع: وإيجاز القصر هو: "تقليل الألفاظ وتكثير المعاني"، ومن شواهده ما جاء في قوله تعالى: "لَّا یُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا یُنزِفُونَ" "الواقعة: 19"، تأمّل كيف جمع الله جميع عيوب الخمر في آية واحدة؛ حيث وصف الله تعالى خمر أهل الجنة وصفًا موجزًا، جمع فيه جميع عيوب خمر الدنيا؛ من صداعٍ، وذهابٍ للعقل، ونفادٍ للمال، وبعد أن أخبر عن هذه الصفات، نفى أن تكون هذه الصفات في خمر الجنة، ولم يكن هذا النفي بجمل أو جملة، بل بحرف واحد هو "لا" النافية، فهل يستطيع أهل الفصاحة والبيان أن يأتوا بمثل هذا أو قريبه.

إيجاز الحذف

وأردف "الخريصي": ويكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر من جملة، مع وجود قرينة تعيّن المحذوف. ومن شواهده ما جاء في قوله تعالى: "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" "يوسف: 82"، وتقدير الحذف: أي: اسأل "أهل" القرية التي كنَّا فيها، و"أصحاب" العير التي أقبلنا فيها، وقولهم: إنا لصادقون "فيما أخبرناك"، وينصّ الفخر الرازي على بلاغة الحذف في مثل هذا الموطن، فيقول: "إن الأمر إذا ظهر ظُهورًا تامًّا كاملًا، فقد يقال فيه: سل الماء والأرض وجميع الأشياء عنه، والمراد أنه بلغ في الظهور إلى الغاية التي ما بقي للشك فيها مجال".

الإطناب

وختم "دكتور البلاغة والنقد": ومن الإطناب ما جاء في قوله تعالى: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ" "يوسف: 53"، وهذا الشاهد على إطناب التذييل؛ يقول الدكتور عبد العزيز عتيق: "فجملة قوله تعالى: "إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ"، تشتمل على معنى الجملة السابقة: "وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي‌"، وقد عقب بها عليها توكيدًا لمعناها، وإذا تأملنا جملة التذييل، وهي‌: "إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ"، وجدناها مستقلّة بمعناها لا يتوقّف فهمها على فهم ما قبلها، ومن أجل ذلك يقال لهذا النوع من الإطناب بالتذييل: إنه "جار مجرى المثل".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org