منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم في السعودية أدركت القيادة الحكيمة وبنظرة استشرافية واستراتيجية ثاقبة أن أدوات التفوق السعودي التي كانت في العقود السابقة ناجحة، قد لا تكون هي المحرك الأساسي لمستقبل هذا الوطن، وأن المملكة مقبلة على طموح قيادي شعبي متسق لجعل المستقبل السعودي أكثر إشراقاً.
هذا الإدراك دفع السعودية لتأخذ نهج التغيير مأخذ الجد عندما أعلنت عن رؤيتها الطموحة في ربيع العام 2016، والتي أعادت تموضع المملكة على الخريطة بشكل مختلف، هذا التموضع الذي جعل من السعودية أكثر تأثيراً على المستوى الدولي وأكثر تطوراً على المستوى المحلي.
على المستوى السياسي؛ فقد خاضت السعودية في السنوات الماضية العديد من التحديات، والتي كان من أبرزها خوض عاصفة الحزم وإعادة الأمل، والتي جاءت تلبيةً لنداء الشرعية اليمنية وتعزيزاً لمبدأ حق الجوار والمصير المشترك، مما أدى إلى تقليص تمدد الحوثي وقطع الوجود الإيراني في اليمن والحفاظ على شرعية وأمن اليمن الشقيق، وتأمين الحدود السعودية، والرسالة كانت واضحة بأن أي محاولة تفكير في العبث بأمن المملكة سيكون الرد سريعاً وقاسياً.
في الحقيقة، المتابع يجد أن دور السعودية في الشأن الإقليمي والعالمي أصبح أكثر عمقاً وتأثيراً في المحافل الدولية وفي صناعة القرار السياسي العالمي من أي وقت مضى. ولأن القوة السياسية تنبع في الأصل من الداخل ومن تلاحم الشعب والقيادة؛ فالكل يشهد ويعرف أن هناك كيمياء وتناغماً شعبياً قيادياً فريداً يمثل قوةً ودافعاً للتطوير داخلياً ينعكس بشكل إيجابي ليدعم السياسة الخارجية.
على المستوى الداخلي، تقود السعودية تغييراً وتحولاً فريداً هو الآخر من نوعه ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل على مستوى العالم، يتمثل في رؤية المملكة 2030، والتي يندرج تحتها ثلاثة محاور رئيسية هي: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح. وفي الواقع تحققت في الخمس سنوات الماضية الكثير من الوثبات للمضي قدماً في تحقيق هذه المحاور رغم التحديات الموجودة والتي كان من أهمها جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19.
المحور الأول والذي يتعلق بكل ما من شأنه أن يرفع جودة الحياة في المملكة، نجد اليوم أن المملكة قد حققت الكثير من النجاحات في قطاع الإسكان والصحة والبيئة مما ساهم في زيادة جاذبية المملكة ورفع جودة الحياة فيها. في المحور الثاني أعتقد أن الكل يدرك التقدم الكبير الذي حققته المملكة، وخاصة في زيادة إيرادات المنتجات غير النفطية وتعظيم الأرباح منها، والذي يسهم في زيادة تنويع مصادر الدخل في المملكة ويعزز الاستدامة المالية.
أما المحور الثالث فلعل التقدم الأبرز بالنسبة لي هو إعادة هيكلة القطاع الحكومي وتطوير أنظمته وسياساته ومحاربة البيروقراطية وزيادة الشفافية والاستفادة من التقدم التقني الملموس مؤخراً مما أدى إلى رفع كفاءة الجهاز الحكومي وزيادة فاعليته، بالإضافة إلى الحرب على الفساد الإداري والمالي والذي بحزم سلمان وتوجيه ولي عهده أسقط الكثير من الرؤوس التي كنا نظنها محمية.
في الحقيقة، التحول السعودي أعاد تموضع المملكة بشكل مختلف على خريطة العالم بشكل يجعلنا أكثر فخراً وإصراراً على المضي قدماً، فنحن وفي ست سنوات تقريباً حققنا الكثير من الإنجازات وتجاوزنا بعض المستهدفات وهذا دليل على قوة الدفع باتجاه التغيير وقيادته بشكل سليم ومدروس بالإضافة إلى عِظَم الشعب السعودي الذي أثبت أنه المحرك الرئيس لهذا التغيير. اليوم ونحن في الذكرى الحادية والتسعين نحتفل بما حققناه ونلتقط الأنفاس لنعود أكثر حماساً وبكل شغف لنكمل مسيرة التغيير نحو تحقيق مستهدفات 2030 وأكثر.