
في هذه الأيام من السنة تشهد المناطق الداخلية من الجزيرة العربية ظهور الضباب الكثيف في ساعات الفجر والصباح الأولى بعد تضافر أسباب تكوّنه، وفي صباح اليوم الأربعاء، انتشر الضباب في مساحات شاسعة شملت ٤ مناطق (الرياض، والشرقية، والقصيم، وحائل).
التقت "سبق" خبير الطقس وأستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند، حول ماهية الضباب وأسبابه، والفرق بينه وبين الندى والصقيع، وأهم المعلومات حول تلك الظواهر المائية.
وقال المسند: الضباب عبارة عن قطرات مائية مرئية دقيقة وعالقة بالهواء، وهي تعتبر سحبًا منخفضة فوق سطح الأرض مباشرة، ويتكون بتكثيف بخار الماء العالق في الجو عندما تنخفض درجة الحرارة إلى درجة الندى أو التشبع أو دونها (أي درجة الحرارة التي يتكثف عندها بخار الماء العاق بالهواء).
وأضاف: "يحدث الضباب في الطبقة السفلية من الغلاف الجوي بارتفاع يصل أحيانًا إلى 1000م، وغالبًا يتزامن حدوثه في المناطق البعيدة عن السواحل في المملكة في ساعات الصباح الأولى في فصل الشتاء.
خطورته على وسائل النقل
وأشار المسند إلى أن الضباب عندما يكون كثيفًا يُعتبر أحد أخطر الظواهر المناخية على وسائل النقل المختلفة؛ إذ تُشتت قطرات الماء العالقة بالهواء الضوءَ؛ مما يؤدي إلى انخفاض مدى الرؤية إلى مستويات متدنية تصل أحيانًا إلى بضع مترات؛ مما يُعيق الحركة وربما يتسبب في حوادث جماعية لا قدر الله.
يتكون بشرطين
وقال المسند: في منطقة جافة كالوسطى -على سبيل المثال- والتي تتميز بشدة جفافها وندرة أمطارها وارتفاع درجة الحرارة فيها؛ فإن ظاهرة الضباب نادرة الحدوث، وقد لا يتجاوز تكرارها 15 يومًا في السنة.
واستطرد: "الضباب في هذه المناطق يحدث في فصل الشتاء؛ حيث يتوفر شرطان أساسيان الأول: تدني درجة الحرارة. الثاني: ارتفاع معدلات الرطوبة النسبية فوق 90%. ويتعاظم الضباب في الأرياف وبالقرب من المسطحات المائية أيضًا، كما تظهر هذه الظاهر في أعقاب أمطار غزيرة يعقبها انخفاض في درجة الحرارة إلى مستوى نقطة الندى أو التكاثف؛ أما في المناطق الساحلية فيتشكل الضباب في أي وقت من السنة خاصة في ساعات الصباح الأولى؛ وذلك لتشبع الهواء ببخار الماء، وارتفاع نسبة الرطوبة لمعدلات يعجز الهواء عن حملها فتتكثف على صورة ضباب.
الضباب الإشعاعي
وتابع المسند: "نوع الضباب الذي شوهد في كثير من مدن ومحافظات المملكة هذه الأيام، يدعى "الضباب الإشعاعي Radiation fog" والذي يتشكل في فترة آخر الليل وأول النهار، ويرجع سبب تلك الظاهرة المائية إلى عدة عوامل منها أولًا: ارتفاع نسبة الرطوبة بعد نزول الأمطار الغزيرة. ثانيًا: الرياح الساكنة. ثالثًا: خلو السماء من السحب ليلًا والتي تحبس الحرارة؛ مما يسرّع بتبريد سطح الأرض عبر الإشعاع الأرضي؛ فعندئذ يبرد الهواء السفلي فيتكثف بخار الماء العالق في الهواء مُشكّلًا ضبابًا مرئيًّا.
وأضاف: "الضباب الإشعاعي يبقى حبيس المنطقة الدنيا من الغلاف الجوي بسبب طبقة الهواء التي تعلوه وهي أدفأ من طبقة الهواء الحاملة للضباب، (وهذا ما يسمى الانقلاب الحراري، وهو ارتفاع درجة الحرارة بالارتفاع عن سطح الأرض)، وعندما تشرق الشمس وترتفع حرارة سطح الأرض ومن ثم الهواء الملاصق لها؛ يبدأ الضباب بالتلاشي بشكل تدريجي وسريع.
ضباب الوادي
واستطرد: أما ضباب الوادي Valley fog، فسبب تشكل هذا النوع أن الهواء البارد أثقل من الهواء الساخن؛ لذا فإنه يهبط إلى المنخفضات كالأودية -على سبيل المثال- فتتشكل ظاهرة ضباب الوادي بصورة أكثر من الأراضي المنبسطة؛ لا سيما إذا كان في الوادي مزارع أو فيه نهر جارٍ حيث ترتفع الرطوبة.
ظواهر جوية مائية تتكرر هذه الأيام
وأكد "المسند" أن الظواهر الجوية المائية التي تُصاحَب الأجواء التي نعيشها حاليًا كثيرة، هي الندى والصقيع والضباب.
وتابع: من تلك الظواهر ظاهرة الندى Dew، أو التكاثف السطحي؛ حيث يتكون عندما يتكثف بخار الماء العالق بالهواء الملامس مباشرة لسطح الأرض أو أوراق النباتات أو السيارات ونحوها، ويرجع سبب ذلك إلى برودة تلك الأجسام ليلًا، ومن ثم تفقد حرارتها عبر ظاهرة الإشعاع إلى ما دون نقطة ندى الهواء الملاصق لهذه الأسطح، فينتج عنه تكثف بخار الماء على الأسطح مباشرة عبر قطرات الندى المشاهدة.
وأضاف "هذه الظاهرة بلسم للحياة فهي تُعد من أهم وسائل ري النباتات بشكل طبيعي، كما تعد مصدرًا لشرب بعض الطيور والحيوانات، وتبقى هذه القطرات حتى تتبخر مع شروق الشمس.
الصقيع وعلاقته بالمزارعين
وتابع "المسند": عندما تنخفض درجة الحرارة إلى مستويات متدنية تحدث ظاهرة أخرى وهي الصقيع Frost، وهو تحوّل قطرات الماء فوق الأسطح إلى جليد بلوري.
وأردف: "الصقيع أهم أعداء المزارع؛ حيث يشكّل خطورة لبعض المحاصيل الزراعية التي ربما تموت أو تتضرر إذا وصلت درجة الحرارة إلى درجات متدنية جدًّا؛ لذا نجد بعض المزارعين يعمدون إلى إشعال النار، ونشر الدخان لرفع درجة الحرارة ومنع حدوث الصقيع فوق حقولهم، ومنهم من يعمد إلى تغطية محاصيله بالبلاستيك، وفي بعض المزارع المتطورة نشاهد مَراوح ضخمة وسط المحاصيل لتحريك الهواء ومن ثم تفويت عملية تكون الندى والصقيع".