ماذا لو ابتدأتَ الشخص الذي تقابله بسؤاله عن مشاعره بدلاً من حاله؟
هل سيجيبك مباشرة؟
أم سيخجل؟
أو ربما لن تكون لديه إجابة؛ لأنه بكل بساطة لا يعرف ما هي مشاعره تلك اللحظة؟ أو حتى قد يتضايق من هجومك المباشر على خصوصيته؛ لأن هناك من يربط المشاعر فقط بحالة الحب والعلاقات الخاصة.
إن المشاعر مفردة مبهمة حسب تعريف الفرد لها، وطريقة تعامل الإنسان معها تحدد درجة النضج العاطفي لديه، بغض النظر عن مستواه المعرفي والعلمي، وحتى عمره أو منصبه!
الشعور هو إحساس القلب، وقد يصيب ويخطئ، وقد يبالغ ويزج بصاحبه في سجون الندم على موقف أو تصرف أو قرار بُني على مشاعر فقط.
وعلى الضفة الأخرى نجد العقل الذي يسفر حضوره الواعي عن قرارات أكثر اتزانًا، ورؤية أكثر وضوحًا.
ولكن أين تكمن المشكلة؟
يحدث المأزق عندما ترجح كفة المشاعر؛ فيغيب العقل، وتضيع الوجهة والمنطق والحكمة في دهاليز المشاعر المبهمة، والمتأرجحة، بل المسيطرة على مَن يسمح لها بذلك؛ فيجري خلفها، ويصدقها، ويسلمها زمام أمور حياته؛ ويُصدم بعد حين بقرارات عوجاء اتخذها، أو عبارات محرجة تلفظ بها، أو حتى وعود صعبة كلف نفسه بها تحت وطأة المشاعر.
وعلى النقيض، هناك مَن يقمع تلك المشاعر ويغلق بابها؛ فلا يتيح لها فرصة الظهور ولا العبور؛ فتغلب على قراراته الجدية والتصلب، وربما القسوة والعملية المفرطة.
وهنا يأتي السؤال الفاصل؟
من الأهم فيهم؟
وما هو الأكثر صحة بينهما؟
أهو توجيه العقل أم توجيه الشعور؟
الجواب.. لا هذا ولا ذاك!!
وهنا نأتي للهدف من كتابة هذا المقال، وهو بلورة هذه الفكرة، وتسليط الضوء عليها.
فلا تعجبوا عندما أقول إن المشاعر خاطئة، والعقل كذلك. والأكثر صحة هو صوت العقل، ولكن بعد السماح للمشاعر بإدلاء دلوها مهما كان غرافها غريبًا، خاطئًا، مخجلاً، أو حتى غير منطقي.
دع مشاعرك تمضي فحسب، بمعنى آخر اسمح لها بالظهور والمرور عبر بوابة تفكيرك؛ لتخرج من نطاق جسدك لمحيط آخر، سواء أكان ورقة، أو صديقًا، أو حتى عابرًا التقيته لثوانٍ في صالة المطار، المهم أن تخرج من جوفك حتى يبقى منها ما هو مفيد لترطيب قرارات العقل الجافة.. ويخرج منها ما هو مسموم، متهور، مندفع، حاد، وغير منطقي.
ليس الوقت هنا ملائمًا لتقييم المشاعر؛ فالمشاعر هي سيل متدفق جارف؛ إن حاولت إيقافها إما أنها سترهقك، وتُدخلك في نقاشات عقيمة، وجدل مؤذٍ مع مَن حولك، أو أنها قد تجرفك معها في تيار العزة بالشعور وتأثيره المزيف.
كل ما أطلبه هنا هو أن نتخلى عن المنطقية والأصول والقواعد وكل شيء لدقائق معدودة، أو حتى ساعات قصيرة؛ حتى ينضب ذلك النهر المتدفق؛ فسيسفر الصبح وقد استعاد عقلك قوة المنطق مع طراوة الشعور؛ فالأرض لينة إثر آثار السيل، والفكر مخضر؛ لأنك بكل بساطة سمحت لتلك المشاعر بالهطول.
فمحال أن يظهر نور الشمس في سماء ملبدة بالغيوم، ومحال أن يظهر صوت العقل في أجواء مكتظة بالمشاعر.
وهنا يأتي مكان الصديق الذي يسمعك بلا أحكام، والرفيق الذي يهتم لشعورك بلا شروط؛ فينصت ويجلس معك بمظلته تحت المطر، حتى إذا ما فرغت تلك الغيوم من أثقالها ومضت تجد أن نظرته لك لم تتغير، وثقته بك لم تتزحزح؛ لأنه اختبأ بالعاصفة معك، ولم يكن هو عاصفة أخرى تقف أمامك، يجادلك في خطأ ما تقول لتصحيح الفكرة.
لكل مقام مقال كما يقولون، ولا يكون مقام التحلية قبل التخلية، ولا يكون وقت التفكير قبل التحرر من طوق المشاعر الخانقة.
فبمثل هؤلاء الأشخاص تمسَّك، وإن لم تكن تملك أحدًا منهم فراجع تقييم علاقاتك. ولحين أن تجدهم لتكن الورقة هي الرفيق لك في طريق العواصف.
فكل ما يهم هو أن تخرج. فالحمد لله الذي جعل لها مخرجًا ومتنفسًا.
والآن.. أخبرني كيف هي مشاعرك؟