لم تكن قصة دينا عبدالله الأسمري الأولى من نوعها للأمير الإنسان الأمير تركي بن طلال، أمير منطقة عسير، في إغاثة الملهوف، والعطف على كبار السن، إلا أن العلاقة مع المسنة "دينا" بلغت أسمى معانيها، ووصلت إلى التعلق بين "أب وأم". نعم؛ فالأمير تركي بن طلال لم يكن يطلق عليها إلا "أمي"، وهي كانت تقول له "أبي".
عاشت وحيدة، وماتت محاطة بحب الرجل الأول في المنطقة، الذي لم ينتهِ وفاؤه وعطاؤه لها بموتها، بل امتد بعد وفاتها عندما حضر الصلاة عليها، وحمل جثمانها إلى المقبرة، وشارك في دفنها، ووجّه بنصب مخيم للعزاء في قريتها بسدوان بللسمر، وأخذ يستقبل المعزين في وفاتها.
صورة إنسانية، تجسد التلاحم والحب بين القيادة والشعب؛ فهي لم تُرزق بأبناء، وزوجها متوفَّى؛ فعوضها الله بابن اسمه "تركي بن طلال"، كان يزورها بين الفينة والأخرى متلمسًا حاجاتها.. ففي الـ20 من شهر سبتمبر 2022م افتتح منزلها الجديد، ولم يكتفِ بذلك؛ بل أولاها رعايته حتى مرضت، ودخلت في غيبوبة؛ ليأمر باجتماع دوري مع القائمين على حالتها في مستشفى بللسمر، واستشاري من مستشفى عسير، واستشاري من مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض؛ لمتابعة حالتها. واستمرت هذه الاجتماعات إلى أن توفيت -رحمها الله- يوم الجمعة 5 يوليو 2024م.
وذكر الأمير تركي بن طلال قصة حدثت له مع الأم "دينا" في إحدى زياراته لها عندما وضعت في راحته منديلاً، وفوجئ بعد خروجه بوجود مبلغ من المال داخله.
نعم، وجد مبلغًا من المال، قدره خمسة ريالات؛ فقام بتصويره، ثم وضع تلك الصورة في برواز، احتفظ به، ولم يكشف عنه إلا بعد وفاتها في مجلس العزاء الذي أقامه والدموع تترقرق في عينيه.
وقال الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الأسمري، شيخ قبيلة آل سريع التي تنتمي لها الفقيدة، لـ"سبق": إن الأمير تركي بن طلال قدم أعمالاً وخدمات جليلة لكثير من أبناء المنطقة، ويعجز الحرف عن تعداد مناقبه الإنسانية؛ فقد بنى للفقيدة بيتًا على الطراز الحديث، وتم تأثيثه، وكان متابعًا لكل صغيرة وكبيرة، حتى الطلاء غيَّره مرات عدة؛ ليتناسب مع نظرها، ولا يؤثر عليه، ورُوعي فيه كل الاحتياجات التي تساعدها على التنقل بكل يُسر وسهولة، هي ومَن يزورها ممن هم في سنها من نساء القبيلة. حقًّا، لقد كان المنزل نموذجيًّا بكل ما تعنيه الكلمة.
وكانت "سبق" قد نشرت أمس خبرًا بعنوان (رحيل دينا الأسمري.. أمير عسير يشارك في الصلاة والدفن ويستقبل المعزين)، وجاء فيه: "تقدم الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، أمير منطقة عسير، جموع المصلين لصلاة الميت على المسنة دينا عبدالله الأسمري بجامع سدوان بللسمر عقب صلاة عصر يوم أمس. كما تقدم أمير المنطقة مُشيّعي الجنازة بمقبرة القرية، فيما استقبل وفود المعزين بمخيم العزاء، سائلاً الله -جل وعلا- أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته".
وكان الأمير تركي بن طلال قد تعرف على المواطنة "دينا" خلال جولاته المعتادة في محافظات المنطقة، وعلم بحالتها، وتبيّن أنها أرملة، وليس لها عائل، وقد تجاوزت الـ80 عامًا، وتعاني مشاكل صحية؛ فوجّه بتشكيل فريق متكامل لرعايتها منذ 29/ 12/ 1441، والاهتمام بجانبها الاجتماعي، وبناء منزل وتأثيثه، وتوفير احتياجاتها اللازمة؛ لتحقيق حياة كريمة وملائمة لكبار السن.
يأتي ذلك تعزيزًا لعنصر "الإنسان" الذي ترتكز عليه استراتيجية تطوير منطقة عسير، انطلاقًا من شعارها الذي يدعو إلى تعزيز الشيم، والتكافل الاجتماعي.