
ذكر نائب وزير الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري، أن كمال العبودية لله سبحانه وتعالى هو كمال الحرية للمخلوق، وأن تضرّع العباد إلى الله تعالى يصلحهم ويصلح حياتهم ومعاشهم.
وقال "السديري": الخلق متى حققوا العبودية لله تحرروا من العبودية لسواه، فيتحررون من عبودية الشيطان، والشهوات والأهواء، ومن عبودية المخلوقين أمثالهم، ومن ثم يستحيون أن يتبعوا خطوات الشيطان، أو يُغضبوا الله بعمل أو نية وهم يتوجهون إليه في الشدة ويتضرعون.
وأضاف: العبودية لله تعالى هي غاية الوجود الإنساني، وأنها الحكمة من خلق الإنس والجن، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وأن بالعبودية يستقيم الخلق على الطريقة التي تحررهم وتطهرهم وتزكيهم وترفعهم من عبودية الهوى والعبيد إلى عبودية المستحق للعبادة وهو الله جل جلاله.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها أمس، بعنوان "حقيقة العبودية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية"، في جامع الإمام تركي بن عبدالله "الجامع الكبير" بوسط مدينة الرياض، بحضور المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ.
وقال "السديري": لشيخ الإسلام ابن تيمية رسالةٌ بعنوان "العبودية"، وهي على اختصارها ووجازتها رسالةٌ قيمة جليلة ذات أثر في توجيه سلوك المسلم نحو العبادة الحقة والطريقة المستقيمة، ونظرًا لقوتها في السبك، ومنطقيتها في الاستنتاج، وتواؤم المقدمات مع النتائج حتى يخيل للإنسان وهو يقرؤها أنه يحلّق في جو من المعادلات الرياضية، ويتلذذ بفك رموزها واحدًا تلو الآخر ليصل إلى نتيجة صحيحة مقنعة ومنطقية، وهذه الأسباب حملت على تقديم قراءة ميسرة لهذه الرسالة النادرة الماتعة ليعم النفع ويصل المقصد منها.
وأضاف: شيخ الإسلام ابن تيمية نافَحَ عن عقيدة السلف الصالح، وجاهد لإحياء السنة وإماتة البدعة، وتصدى للرد على أهل الزيغ والضلال من المبتدعة على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم، فكان عَلَمًا في تأصيل العقيدة الصحيحة، وخط للمسلمين منهجًا مؤصلًا في تقييم الآراء وتصويبها أخذًا وردًّا، وفق معايير ثابتة وأسس مستقرة من الكتاب والسنة، فكان أمةً اقتفى أثره مَن أتى بعده من المجددين المتمسكين بهدي السلف.
وأردف: رسالة العبودية جاءت ردًّا على سؤال سائل لشيخ الإسلام عن حقيقة العبادة، وهل هي أعلى المقامات في الدنيا والآخرة، والرسالة تهدف إلى بيان حقيقة العبودية من المنظور الشرعي على جهة التأصيل والتنظير المنهجي.
وقال نائب وزير الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد: العبد الحقيقي الذي ارتقى سلم العبودية الموصل إلى ولاية الله ورضوانه، هو مَن التزم مراضي الرب الشرعية وموافقة أمره تعالى، ففاز بدرجات الفضل والقرب منه تعالى والتي تتحقق للعبد عند بلوغه أعلى درجات الذل لله تعالى.
وأضاف: شيخ الإسلام ابن تيمية صحح -من خلال هذه الرسالة النافعة- المفاهيم، وأوضح الغايات في ضوء ما ورد في الكتاب العظيم والسنة المطهرة، ومن ذلك تفريقه بين العبادة القدرية وهي عبودية الربوبية التي تشمل الخلق كلهم برهم وفاجرهم؛ فما شاء كان وإن لم يشاؤوا، وما شاءوا إن لم يشأه لم يكن، كما قال تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون}، فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قلوبهم ومصرّف أمورهم، لا رب لهم غيره ولا مالك لهم سواه ولا خالق لهم إلا هو؛ سواء اعترفوا بذلك أو أنكروه وسواء علموا ذلك أو جهلوه، وأما العبادة الشرعية التي هي عبودية الألوهية فيكون المرء عابدًا لله، لا يعبد إلا إياه، فيطيع أمره وأمر رسله، ويوالي أولياءه المؤمنين المتقين ويعادي أعداءه.
وأردف: هذه العبادة متعلقة بالإلهية لله تعالى؛ ولهذا كان عنوان التوحيد لا إله إلا الله بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده أو يعبد معه إلهًا آخر؛ فالإله هو الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك.
وتابع: العبد كلما ازداد علمًا بالفِرَق بين العبد والرب تحقق منه الالتزام المبتغي لواجبات العبودية الشرعية التي أنيط بها الفوز بالثواب وبالدرجات العلا والنعيم المقيم.
وقال "السديري": العبودية هي إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها ومشمولة بها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحق غاية الذل إلا من له غاية الإفضال وهو الله سبحانه وتعالى قال تعالى: {ألا تعبدوا إلا إياه}، وقد عرف شيخ الإسلام العبادة بقوله: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة؛ فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك كله من العبادة لله تبارك وتعالى.
وأضاف: كذلك حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله.
واختتم "السديري" محاضرته بالقول: جماع الدين أصلان: ألا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع. كما قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}. وأن ذلك تحقيق الشهادتين: شهادة ألا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله؛ فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره. وقد بيّن لنا ما نعبد الله به، ونهانا عن محدثات الأمور، وأخبر أنها ضلالة. وكما أننا مأمورون ألا نخاف إلا الله ولا نتوكل إلا على الله ولا نرغب إلا إلى الله ولا نستعين إلا بالله، وألا تكون عبادتنا إلا لله؛ فكذلك نحن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه ونتأسى به؛ فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه.