جرس تحذير بلغة شديدة يطلقه د.عبدالله الأعرج عضو هيئة التدريب بالكلية التقنية بمكة المكرمة، حول ضعف مستوى اللغة الإنجليزية العامة والتخصصية لخريجي قطاعات التدريب التقني والمهني، الملتحقين منهم بكليات التقنية التي تمنح الدبلوم بشكل خاص، ويضع الأعرج خارطة طريق من خمسة إجراءات لحل مشكلة الضعف اللغوي.
مقصرون في الاستثمار باللغة الإنجليزية لطلابنا
وفي مقال اختص به "سبق" بعنوان "التدريب التقني: ما هو واقع اللغة الإنجليزية التخصصية؟"، يبدأ الأعرج ببيان أهمية وقيمة اللغة الإنجليزية وإجادتها، ويقول: "لم يعد جديدًا ولا مفاجئًا ولا غريبًا الحديثُ عن قيمة اللغة الإنجليزية في العالم؛ وذلك لما تحمله هذه اللغة من قوة الأثر والتأثير والاستحواذ على كثير من جوانب الحياة وخصوصًا في جوانب العمل والمهنة.. الغريب فعلًا أننا ما زلنا مقصرين في الاستثمار اللغوي الأمثل لهذه المادة الحيوية وبشكل أكثر تقصيرًا في قطاع التدريب التقني والمهني!".
وجبات لغوية لا تثمر
ويرصد "الأعرج" واقع تدريس اللغة الإنجليزية في التدريب التقني في المعاهد والكليات، ويقول: "بعيدًا عن مكونات اللغة بداية من أصواتها ومفرداتها ووصولًا إلى تراكيبها النحوية ودلالتها اللفظية التي ما زالت تقدم على شكل وجبات دسمة لا تثمر على الأغلب سوى في زيادة معلومات (غير صحية) على صعيد الطلاقة والفصاحة والانطلاق في عالم الاستخدام الفعلي لهذه الميكنة، مع استثناءات بسيطة لقيمة هذه المكونات للمتخصصين في اللغة الإنجليزية الذين يحتاجون لهذا (التشريح) اللغوي لموافقته لمقتضى الحال.. يزداد الأمر فداحة حينما ينخرط المتدربون في قطاعات التدريب التقني والمهني لمدة عامين في كليات التقنية التي تمنح درجة الدبلوم، والذين هم مظنة التزود بلغة العمل والعلوم وبقية الأغراض التخصصية، ثم تكون النتيجة خريجًا لا يملك أساسيات لغة العمل التخصصية إلا إذا كان لديه مصادر ترقٍّ لغوي أخرى مثل: مرافقة والديه في الابتعاث، أو الدورات اللغوية التخصصية خارج قطاع التدريب، أو التعلم الإلكتروني اللغوي الذاتي!".
أحد الأسباب الرئيسية لتذمر سوق العمل من خريجي التدريب التقني والمهني
ويعلق "الأعرج" قائلًا: "هذا الوضع فعلًا مؤسف؛ لأن المتدرب (الخريج) الذي يتطلع لسوق العمل دون لغة إنجليزية مناسبة لطبيعة العمل؛ لا يملك عنصر الجذب الأكبر لدى أرباب الأعمال والذين يعول كثير منهم على لغة الموظف التقنية، مثل ما يعول على جدارته المهنية، وقد تبرر بعض قطاعات الأعمال الريادية وشبه الريادية عدم قبول بعض خريجي التدريب التقني غير المؤهلين (بلغة الصنعة) بأن تأهيلهم لغويًّا يستغرق وقتًا لا يقل عن تأهيلهم مهاريًّا في الصنعة ذاتها!".
مراكز لغة إنجليزية متخصصة في المهن والتقنية
ثم يبدأ "الأعرج" بطرح خارطة طريق لحل مشكلة ضعف مستوى اللغة الإنجليزية لدى خريجي التدريب التقني والمهني، ويقول: "بعيدًا عن جدلية المواقف؛ فإن تعلل بعض قطاعات الأعمال بمثل هذه الأسباب؛ كان من الممكن حسمه في دور التدريب التقني والمهني؛ وذلك من خلال إيجاد مراكز لغة إنجليزية متخصصة في المهن والتقنية تقدم المشورة الموثوقة والممارسات الصحيحة للرقي بمستوى لغة باتت هي الحد الفاصل في كثير من المنظمات بين التوظيف والبطالة!".
تخصيص جزء من الميزانية لتطوير لغة الأعمال والمهن
ويضع "الأعرج" الخطوة الثانية في خارطة الطريق، ويقول: "لأن التدريب التقني والمهني أيضًا يملك -بما وفّرته حكومة خادم الحرمين الشريفين- من ميزانيات كريمة؛ فإن تخصيص جزء كافٍ منها لتطوير لغة الأعمال والمهن -بحكم الاختصاص- كان كفيلًا بالمساهمة في تقديم مخرج مؤهل لغويًّا، وقادر على إقناع المستفيدين في كافة قطاعات الأعمال بجدارته في لغة المهنة، التي تشمل على سبيل المثال: التواصل المهني، وفهم الإشكاليات التقنية، وكتابة التقارير الفنية بلغة مفهومة، وتقديم محاضرات تطويرية مبسطة، ونقل المعرفة للملتحقين الجدد بالصنعة؛ بل وخلق ثقافة لغوية تقوم على فهم الجديد والمفيد في سوق العمل. كذلك فإن تأهيلهم من قِبَل التدريب التقني لغويًّا؛ كان كفيلًا بإثراء الميدان المهني ومواكبة مستجداته، والذي يتوفر جله من خلال نشرات باللغة الإنجليزية لا تتوفر لها الترجمة بشكل يسير في كل زمان ومكان، وحين تتوفر فقد يعتريها من النقص ما يعتري نقل أي معلومة من لغة وثقافة إلى لغة وثقافة مختلفة!".
برنامج لغوي عام وتخصصي (قبليًّا لا بعديًّا)
وفي الإجراء الثالث، يطالب "الأعرج" بوضع برنامج لغوي عام وتخصصي (قبليًّا) للملتحقين بكلياته ومعاهده الصناعية في مرحلة الثانوية والدبلوم، لا بعديًّا يسبق مرحلة البكالوريوس، ويقول: "الأمر الآخر الذي يجدر بالتدريب التقني معرفته، ومن منظور تخصصيّ لغويّ تقنيّ بحت؛ أن المقررات الدراسية التي تُستبدل من وقت إلى آخر ومعها وسائل التدريب؛ ليست عصًا سحرية لرفع كفاءة المتدربين اللغوية! القضية أبعد وأكبر من أن تكون توصية بدار نشر أو اقتراح لكتاب من منظمة ما؛ مما أفضى في بعض الأحيان لتقديم محتوى يتعارض في جزء من مفرداته مع تخصص المتدرب العملي!.. التدريب التقني والمهني أيضًا لم يقدم برنامجًا لغويًّا عامًّا وتخصصيًّا (قبليًّا) للملتحقين بكلياته ومعاهده الصناعية في مرحلة الثانوية والدبلوم، والتي تمثل الشريحة الأكبر من خريجيه؛ وهو أمر غاية في الأهمية لم يكن من المناسب نسيانه في العمر الطويل لهذا القطاع الحكومي!".
مذكرات تفاهم مع الكليات الصناعية بالجبيل وينبع
وفي رابع إجراء، يطالب "الأعرج" التدريب التقني بتوقيع مذكرات تفاهم مع الكليات الصناعية بالجبيل وينبع، ويقول: "التجارب اللغوية التخصصية الرائعة التي تقدّمها القطاعات التدريبية في المنظمات المشابهة للتدريب التقني مثل الكليات الصناعية في الهيئة الملكية لمدينتي الجبيل وينبع، ومراكز التدريب في الشركات الرائدة في قطاع النفط والبتروكيماويات وصناعة السيارات؛ يجب أيضًا أن تستحوذ على جزء لا يُستهان به من مذكرات التفاهم بين التدريب التقني وتلك الجهات شأنها شأن الاتفاقيات الأخرى!".
رؤية 2030.. تحتاج لخريج متمكن في اللغة الإنجليزية لقطاعات الأعمال المعاصرة
ويُلفت "الأعرج" إلى أن رؤية المملكة 2030 بمستهدفاتها العصرية، تتطلب معرفة اللغة الإنجليزية التخصصية، ويقول: "رؤية سمو ولي العهد كذلك بمشاريعها العملاقة الحديثة التي تمتد على طول خارطة الوطن الكبير؛ تتطلب كذلك معرفة مقنعة جدًّا باللغة الإنجليزية التقنية والمهنية المتخصصة في مجالات مثل: الحاسب وعلومه الحديثة، قطاع السياحة والسفر والإرشاد السياحي، قطاع الترفيه، الفنون والآداب والمتاحف، الصناعات الأساسية والتحويلية، الابتكار والاختراع والموهبة، الإدارة والقيادة المعاصرة، برامج جودة الحياة، اقتصاد المعرفة، البحوث وتطبيقاتها المعاصرة، المال والأعمال وغيرها؛ وهو أمر لا يمكن أن يتأتى دون وجود لغة إنجليزية تخصصية في التدريب التقني والمهني!".
هذا ما يجب أن يحدث الآن
وأخيرًا يؤكد "الأعرج" أهمية إجراءٍ عاجل وخطة إنقاذ بشأن اللغة الإنجليزية التخصصية؛ مطالبًا بلجنة من متخصصين تدرس وتقدم حلولًا تخصصية، ويقول: "مع تفهمي أن اللغة الإنجليزية قد تكون ذات أهمية معتدلة (ربما) في الحياة العامة يتم معها التغاضي عن الضعف اللغوي لدى المسافر بشكل عابر أو ما شابه؛ إلا أن القبول بلغة إنجليزية تخصصية بهذا المستوى المتواضع في سوق ديناميكي متجدد وعصري ولدى وطن برؤية طموحة وقادرة، وعدم تقديم حلول (تخصصية) تتناسب وتتوافق مع المرحلة الزاهرة للوطن؛ يُعد أمرًا غير مقبول؛ بل ويجب أن يوضع هذا الهدف على رأس قائمة مشاريع التطوير بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؛ شريطة أن يقوم على هذا الأمر متخصصون مؤهلون في اللغة الإنجليزية لأغراض التقنية من مؤسسات تعليمية رائدة ليقوموا بدراسة وتقديم أفكار قابلة للتطبيق، عميقة الأثر، تنعكس بشكل ملحوظ على كفاءة المخرج التدريبي اللغوي الذي يفخر به الوطن ويراهن عليه ويبذل في سبيل تأهيله ما لا يمكن حصره من المال والجهود! ".
عدم رفع مستوى اللغة.. هدر لطاقات شبابنا
ويُنهي "الأعرج" حديثه مؤكدًا "أن التدريب التقني والمهني تأخر كثيرًا في رفع كفاءة الملتحقين بمنشآته التدريبية في مجال اللغة الإنجليزية للأعمال المختلفة، وأن استمرار هذا التأخر في هذا المجال الحساس؛ سيورث الكثير من الهدر للطاقات الشابة بسبب غياب لغة العمل؛ وهو الأمر الذي يتعارض عمليًّا مع طموحات ومستهدفات الوطن العظيم في هذا الاتجاه، وأؤكد أن الأمر يزداد تعقيدًا بتركه للمحاولات والتجربة دونما التفات لحلول عملية ممنهجة ومدروسة من قِبَل المختصين في هذا المجال!".