يشكل التراث العمراني مكوناً أساسياً من مكونات تاريخ أي دولة، فالتراث العمراني مرآة للتطور، الذي تصل إليه الشعوب ومجتمعاتها المحلية في إبداع مساكن وبيوت أفرادها، وتشييد مدنها عبر الحقب التاريخية، ولا يوجد طراز معماري لمدينة من المدن إلا ويحمل الطابع التاريخي للحقبة الزمنية، التي شيدت فيها، ومن ثم يحتفظ التراث العمراني للمدن دائماً بملامح حقبها التاريخية، باعتبارها أثار مادية معبرة عن صور الحياة الاجتماعية، التي كانت قائمة ومُعَاشة وسائدة في تلك الحقب التاريخية.
ويكتسب التراث العمراني للمدن أهميته؛ من مقدرته على الاحتفاظ بالتاريخ كذاكرة حية، نابضة، شاخصة، وناطقة بما كان يموج فيها من حياة اجتماعية عبر البيوت والأسواق وأماكن العبادة، فالتراث العمراني لا يدون التاريخ أو يوثقه فحسب، بل يُبقيه كذاكرة حية تُتيح استرجاع الحياة في أي فترة تاريخية في المستقبل، وحول هذه الأهمية الحيوية والكبيرة تكمن الفائدة الجليلة لـ"برنامج جدة التاريخية"، الذي تشرف عليه وزارة الثقافة لتطوير منطقة جدة التاريخية، التي أدرجت ضمن لائحة منظمة اليونسكو للتراث العالمي في يونيو 2014.
ويهدف "برنامج جدة التاريخية" إلى تحويل منطقة جدة التاريخية لمركز حضري تاريخي وثقافي متكامل، والمحافظة على التراث الثقافي والمعماري للمنطقة، وتعزيز النشاط الثقافي والاقتصادي بها، وجعل جدة التاريخية واجهةً عالمية للمملكة، وأطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن البرنامج في سبتمبر 2021، مشروع "إعادة إحياء جدة التاريخية"؛ لتطوير المجال المعيشي في المنطقة لتكون مركزاً جاذباً للأعمال وللمشاريع الثقافية، من خلال إبراز المعالم التراثية للمنطقة، التي تضم أكثر من 600 مبنى تراثي، و36 مسجداً تاريخياً، و5 أسواق تاريخية رئيسة، وواجهة بحرية كانت طريقاً رئيسة للحجاج قديماً.
ويمتد النطاق الزمني للعمل في مشروع "إعادة إحياء جدة التاريخية" إلى 15 عاماً، وبعد مرور نحو 28 شهراً منذ إطلاق المشروع، أعلنت وزارة الثقافة أمس (الخميس)، اكتمال الأعمال في مشروع تدعيم وإنقاذ 56 مبنى من المباني الآيلة للسقوط بجدة التاريخية، بتكلفة مالية بلغت 50 مليون ريال من نفقة ولي العهد الخاصة، وقد أوكلت أعمال المشروع إلى 5 شركات سعودية متخصصة، تحقيقاً لأحد أهداف" برنامج جدة التاريخية"، لتوفير فرص العمل، وتنمية المجتمع بالمنطقة.