تُمثِّل التجربة السعودية في محاربة الإرهاب مصدر إلهام كبير للباحثين عن النجاح في استئصال هذه الآفة التي أرقت دول العالم كافة التي لم تسلم من شرورها، عطفًا على ما امتازت به من عناصر تميُّز فريد، حيث ابتكرت وصفة ناجحة للقضاء على مجاميع الشر، تقوم على المواءمة ما بين العمل الأمني والجهد الفكري وتجفيف منابع التمويل والتوعية الإعلامية المكثفة.
في المجال الأمني استنهضت المملكة عناصرها الأمنية كافة، واستخدمت جميع قدراتها، ووظفت كل إمكاناتها للتصدي للإرهابيين، بصرامة تامة، وحسم كامل، وتعاملت مع الأزمة منذ بداية ظهورها بما تستحقه من جدية، ووجهت العديد من الضربات الاستباقية للمتطرفين؛ ما أدى إلى نهاية ذلك الكابوس، وتراجع أفاعي الإرهاب إلى جحورها.
أما على الجانب الديني والفكري فقد أدرك قادة السعودية منذ وقت مبكر أن العمل العسكري والأمني لا يكفي وحده لإنجاز المهمة؛ لأن الأزمة هي في الأساس أزمة مفاهيم مغلوطة، تعشش في أذهان معظم الذين تورطوا في الأعمال الإرهابية، وأن هناك دوائر فتنة تقف وراء تلك الأفكار الخاطئة، وهي تتمسح بالدين، وتتستر بالإسلام لتنفيذ أجندة خاصة، هي أبعد ما تكون عن الدين الذي عُرف بسماحته واعتداله.
لذلك ركزت القيادة على الاستعانة بعلماء من المشهود لهم بالورع والتقوى والعلم الغزير، وتصدى هؤلاء للشباب المغرر بهم، ودخلوا معهم في سجالات علمية رصينة، أزالوا فيها الشبهات التي علقت بأذهانهم، والمفاهيم الخاطئة التي أوهمهم بها شيوخ الفتنة والضلال، وساعدوهم على العودة من جديد، أفرادًا صالحين مؤثرين في مجتمعهم.
كذلك استخدمت المملكة وسائل الإعلام بفاعلية تامة، نسبة لما تمثله من أهمية كبيرة وقدرة فائقة على تشكيل الرأي العام وإيضاح الحقائق. وإضافة إلى كل ذلك أكملت المملكة أضلاع العملية الرباعية لمحاربة الإرهاب بتجفيف منابع تمويله عبر مراقبة المصادر كافة التي يمكن أن تتسرب أموالها لتمويل الإرهابيين.
هذا النجاح الكبير لفت انتباه العالم، ودفع العديد من دوله إلى استلهام التجربة السعودية، والتعرف على تفاصيلها، والعمل على تطبيقها، وهو ما أكدته المنظمات الدولية كافة ذات العلاقة، وأشادت بذلك النجاح، ودعت دول العالم كافة للتعرف على تفاصيله، وهو ما أشار إليه مدير مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، الدكتور جيهانغير خان، الذي يزور المملكة هذه الأيام؛ إذ تعرف على جهود التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، والدور الذي يقوم به لتنسيق جهود الدول الأعضاء في التحالف وتكثيفها.
ويأتي تأسيس التحالف في إطار جهود المملكة لمد يدها ومعاونة الدول الإسلامية للتخلص من تلك الآفة؛ إذ لم تكتفِ بالقضاء عليه داخليًّا، بل تسعى بجدية كبيرة إلى محاصرته في الدول الإسلامية كافة؛ لذلك بادرت إلى تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بهدف التعاون في تمرير المعلومات الأمنية، وتبادل الخبرات، وتسهيل التواصل، إضافة إلى تقديم المساعدات المادية والتقنية للدول الأعضاء، وتطوير قدراتها الأمنية.
ويمثل التحالف منظومة متكاملة، تسعى إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، إضافة إلى ارتكازه على قيم الشرعية والاستقلالية والتنسيق والمشاركة، والسعي إلى ضمان جعل جميع أعمال وجهود دول التحالف في محاربة الإرهاب متوافقة مع الأنظمة والأعراف والقوانين الدولية.
والمملكة عندما تقوم بهذا الدور الرائد فإنها تنطلق من منطلقات عدة، في مقدمتها مسؤوليتها الأخلاقية في إيضاح حقيقة الدين الإسلامي، وتأكيد براءته من التهم التي يلصقها به الكارهون، وإثبات وسطيته واعتداله وسماحته، وإظهار صورته الحقيقية، وإزالة ما علق بها من شوائب نتيجة لأعمال مرفوضة ارتكبتها قلة تنتسب إليه زورًا وبهتانًا، وهي تفعل ذلك بصفتها مهبط الوحي، وأرض الرسالة، وحاضنة الحرمين الشريفين.
المسؤول الأممي أكد أن العالم يعول كثيرًا على الدور الذي ينتظر أن يقوم به التحالف لمحاربة الكيانات المتطرفة، ولاسيما أن العديد من الدول الأعضاء في التحالف تفتقر إلى القدرات المالية، والخبرات التي تعينها على مواجهة الإرهابيين؛ لذلك فإن المساعدة التي تقدمها لها المملكة تمثل ضمانة استمرار السلم الإقليمي والعالمي.
هكذا تثبت المملكة من جديد إصرارها على مواصلة السير في الطريق الذي اختارته لنفسها بالتصدي للخطر الداهم الذي تمثله التيارات الإرهابية، وأداء الدور الريادي الذي ينتظره منها العالم برمته، ولن تدخر في سبيل تحقيق هذا الهدف وسعًا، ليس مجاراة لأحد، بل لأن ذلك يعد مطلبًا أساسيًّا للازدهار والاستقرار، وضمانًا لسلامة وأمن الأجيال المقبلة.