"بناءً على طلبه".. جُملةٌ اعتاد السعوديون على سماعها في حالةٍ واحدة، خلال صدور بيانات وأوامر ملكية، تقضي بقبول استقالة وزيرٍ أو مسؤولٍ رفيعٍ ما، من منصبة "بناءً على طلبه" حسب ما يصدر في الأوامر أو البيانات الملكية.
تلك الجملة، وردت قبل أيام في غير بيانات الإعفاء الملكية، إذ وفي سابقةٍ فريدة من نوعها، على أقل تقدير في المملكة العربية السعودية، عزز وزير سعودي، خط سير ومبدأ الشفافية، عبر مبادرته بالطلب من مجلس الشورى، أن يمثل ومسؤولو وزارته تحت قبته، لاستعراض أداء جهته الخدمية، وعرض مشاريع ومبادرات الوزارة، والاستنارة بآراء ومداخلات أعضاء مجلس الشورى الموقر حيال العديد من الأمور التي تهم الوطن والمواطن وتحقق تطلعات القيادة الحكيمة.
لم ينتظر الوزير طلب المجلس منه هذا الأمر، كما هي العادة الجارية التي يعمدها الشورى مع وزراء ومسؤولي الدولة، بل أخذ وزير الخدمة المدنية سليمان بن عبدالله الحمدان، زمام المبادرة للمثول أمام مجلس الشورى وأعضائه وعضواته، رغبةً منه في استعراض أداء وزارته، التي انتقلت عبر عناصر عدة، من حالٍ إلى حال بنسبة مائة وثمانين درجة، ورغبةً منه في بلوغ أقصى سقوف الشفافية.
في ركض المسؤول وراء مساءلته، وليس انتظار المساءلة بالقدوم إليه، صورةٌ من أهم صور تعزيز الشفافية والثقة المطلقة، وفي ذلك كسرٌ لحالةٍ ربما تكون فريدة، مبنية على ركض الشفافية وراء المسؤول، وليس ركضه وراءها.
في هذه الحالة، استند الوزير "الحمدان" وفريق عمله "ذو الطابع الشبابي"، على استراتيجية تبنتها وزارة الخدمة المدنية، تستهدف وتركز على تطوير العنصر البشري، ومنح الصلاحيات للجهات الحكومية وتمكينها من ذلك من خلال الممكنات والأدوات الخاصة بذلك، وتطبيق ممارسات حديثة في فن إدارة الموارد البشرية.
جُلّ هذه المبادرات وغيرها تعمل على اكتشاف مواهب الموظف السعودي من الجنسين دون تفريق وصقلها وتطويرها نحو الأفضل .
"الحمدان" حمل حقيبةً حُبلى بالمشاريع الرامية إلى تغيير الصورة النمطية التقليديه عن الوزارة، ودخل بها مجلس الشورى، في مثال يبعث على الثقة في اهتمامات وحرص المسؤول الأول نحو تحقيق الإنجاز الذي سيلمسه الموظف والمواطن سواء. ليس ذلك فحسب، بل باتت "الخدمة المدنية" ذات هوية خاصةٍ، وتعتبر نفسها مساهمةً بشكلٍ مباشر في تحقيق برنامج التحول الوطني، ورؤية المملكة 2030.
ويخشى المسؤولون في العالم بأسره مما يُسمونه "استجوابات" قد تؤدي لإزالتهم من مناصبهم، لكن في المملكة يُسمى "مناقشة"، في شكلٍ من أشكال البحث عن الرأي والاستئناس به. ومن طبيعة عمل مجلس الشورى السعودي، إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة، التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء، وله على وجه الخصوص.
وطبقاً للمادة الخامسة عشرة من نظام مجلس الشورى الصادر بأمرٍ ملكي، فيعمل على مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها، ودراسة الأنظمة واللوائح، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها.
وتقضي المادة الخامسة عشرة من نظام المجلس بمنحه الصلاحية في تفسير الأنظمة، ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها.