لم تشأ حكومة خادم الحرمين الشريفين أن تراهن على مستقبل البلاد ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، اعتماداً على حسابات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي رأى أن الاتفاق النووي مع إيران، "قد" يمنح طهران الفرصة ويساعدها على الانفتاح والتغيير إلى الأفضل، لذا قررت الرياض أن تتحرك لتقليم أظافر إيران بتحركات سياسية واقتصادية واستخباراتية، تنقل المشكلات إلى الداخل الإيراني، بدلا من انتقالها إلى الدول المجاورة لها.
وهذا ما كشف عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في حواره المطول مع الصحفي جيفري غولدبيرغ لصالح مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية.
محور الشر
ولي العهد وصف في الحوار ذاته، إيران بأنها إحدى أضلاع محور الشر، بجانب الإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية، وتقوم إيدولويجية هذا المحور على إعادة تأسيس مفهومهم الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقًا لفهمهم وأطماعهم، على أن يحكمها المرشد الإيراني، الأمر الذي يؤكد استحالة أن تتغير إيران، وأن تتناول عن أجندتها التوسعية في المنطقة، أو تسعى إلى تقويم سلوكها الإرهاربي، وتصحيحه.
لغة الأرقام
واستخدم سمو ولي العهد لغة الأرقام والإحصاءات، لتوضيح نسبة الثقة في النظام الإيراني، وللتأكيد على التباين في وجهات النظر بين المملكة ودول الخليج العربية من جانب، وبين الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق أوباما من جانب آخر، عندما قال مُعلقا على الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية: "ثمة احتمالية نسبتها 0.1 % في أن هذه الاتفاقية ستعمل على تغيير إيران. أما بالنسبة لباراك أوباما، فكانت النسبة 50%. ولكن حتى وإن كانت احتمالية نجاحها هي 50%، فإنه لا يُمكننا المخاطرة بذلك.
فالنسبة الأخرى التي تبلغ 50% هي احتمالية حرب، علينا أن نذهب إلى سيناريو لا يتضمن وجود حرب".
لا نسعى لحرب
حديث ولي العهد، يشير إلى أن المملكة بلد سلام، لا تسعى إلى الحرب مع أي طرف آخر، بما فيها إيران، ويشير إيضا إلى أن السعودية لا يمكن أن تترك أمن منطقة الشرق الأوسط مرهونا على توقعات واحتمالات أوباما "الخاطئة"، واستشهد سموه على صحة ذلك بأن إيران "التوسعية" تضع ما نسبته 60% من اقتصادها تحت إمرة الحرس الثوري، لتنفيذ أجندة النظام الإيراني بنشر الإرهاب والتطرف، والسيطرة على دول الجوار، والتحكم فيها، ومصادرة قراراتها، كما هو حاصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن".
الـ ١٥٠ ملياراً
دليل آخر، استعان به ولي العهد، للتأكيد على إيدلوجية إيران الإرهابية، وسعيها الدؤوب للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأي ثمن وأية طريقة، ولو على حساب شعبها المغلوب على أمره، وذلك عندما قال سموه إن إيران عقب إبرام الاتفاق النووي مع الغرب، حصلت على 150 مليار دولار من أموال الشعب الإيراني المجمدة لدى البنوك الغربية، وقال سموه مخاطبا الصحافي غولدبيرغ: "الفوائد الاقتصادية الناتجة عن الاتفاقية النووية لا تذهب إلى الشعب، فقد أخذوا 150 مليار دولار بعد الاتفاقية -هل يُمكن أن تُسمي مشروعَ إسكانٍ تم بناؤه باستخدام هذه الأموال؟ منتزهاً واحداً؟ ..منطقةً صناعيةً واحدة؟ هل بإمكانك أن تُسمي طريقاً سريعاً واحداً أنشأوه؟ أنا أنصحهم وأسألهم: من فضلكم أرونا شيئًا يدل على بنائكم لطريق سريع بجزء الـ من 150 مليار دولار".
سيناريو الحرب
في الوقت ذاته، قرار مواجهة إيران عبر الحرب، ليس مستبعداً في خيارات السعودية، ولكن ولي العهد يؤكد أن المملكة لا ترغب في مثل هذه القرارات المؤلمة، ويقول سموه: "لدينا سيناريو حرب محتمل في الشرق الأوسط حاليًا. لا يُمكننا أن نتحمل الخطر هنا. علينا أن نتخذ قرارات جدية مؤلمة الآن في سبيل تجنب اتخاذ قرارات مؤلمة لاحقًا"، في إشارة إلى أن المملكة تراقب الموقف بجدية وحزم، وستوقف المد الإيراني، ولن تسمح مطلقا أن تدخل طهران في الشأن السعودي أو العربي على الإطلاق.