حافظت العلاقات بين السعودية وكوريا الجنوبية، على معدل مطرد من التطور والنمو منذ نشأتها عام 1962؛ لكنها شهدت انعطافة قوية بعد نحو 54 عامًا من انطلاقتها، على أثر اللقاء الرسمي بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيسة كوريا الجنوبية السابقة "بارك كيون هي"، على هامش انعقاد قمة قادة مجموعة العشرين في الصين عام 2016؛ حيث جرى الاتفاق على النهوض بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية من خلال تشكيل "الرؤية السعودية الكورية 2030"، ولقد مضى البلدان قدمًا في هذا الاتجاه، وتكللت جهودهما بإطلاق الرؤية عام 2017، ثم مضيا في جهودهما إلى ما أكثر من ذلك؛ فأسسا لجنة من ممثلي الجهات والهيئات الحكومية ذوي العلاقة في البلدين باسم "لجنة الرؤية السعودية الكورية 2030".
شمولية المرتكزات
وتقوم صلاحيات اللجنة -وفقًا للمعلومات التي وفّرتها وزارة الاقتصاد والتخطيط عنها- على "مراجعة التقدم في الشراكة، واعتماد مشاريع الرؤية وخططها التنفيذية، وتذليل الصعوبات في تنفيذ مشاريع الرؤية بين البلدين"؛ واتفق الجانبان على أن تُعقد اللجنة بشكل سنوي بالتناوب بين البلدين، وقد عُقد أول اجتماع في أكتوبر عام 2017 في سيول عاصمة كوريا الجنوبية أثناء زيارة الملك سلمان لها.. ويبرهن تشكيل اللجنة والانتظام في عقد اجتماعاتها الدورية، على جدية الدولتين في تنفيذ ما تتضمنه من مشروعات.
وبالنسبة للأساس الاقتصادي والتنموي الذي تنهض عليه "الرؤية السعودية الكورية 2030"؛ فإنها "ترتكز على تعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تعزيز الروابط التجارية بين القطاع الخاص في البلدين، وزيادة برامج التعاون بين الحكومتين، وتوسيع نطاق التعاون المشترك بين البلدين إلى بلدان أخرى"، وكما يلاحظ فإطار المرتكزات يتسم بالشمول والاتساع ويضم إمكانات حكومتي البلدين، إلى جانب إمكانات القطاع الخاص فيهما، كما يتضمن إمكانية مشاركة الطرفين في مشروعات في بلدان أخرى، ومن شأن هذه المرتكزات أن توفر الأبعاد المطلوبة لتحويل التعاون بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، كما اتفق على ذلك الأمير محمد بن سلمان والرئيسة بارك كيون- هي.
ولم تكتفِ الدولتان في تنفيذ "الرؤية السعودية الكورية 2030"، بما حققتاه على الصعيد التنظيمي؛ فقد اتفقتا على إدراج 40 مشروعًا مشتركًا ضمن الرؤية، وحظيت هذه المشروعات بنقاش مستفيض خلال منتدى الأعمال لـ"الرؤية السعودية الكورية 2030" الذي عقد في سيول في أبريل الماضي، واتفق على أثر النقاش على تحديث لوائح التأشيرات الجديدة لرجال الأعمال الكوريين وتسهيل دخولهم إلى السعودية.
مقومات النجاح
ولا تكتمل معرفة "الرؤية السعودية الكورية 2030" إلا بالتعرف على القطاعات الحيوية، التي تعمل عليها وهي: الطاقة والتصنيع، والبنية التحتية الذكية والتحول الرقمي، وبناء القدرات، والرعاية الصحية وعلوم الحياة، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة والاستثمار، وكما يلاحظ فهي جزء من المحاور الاقتصادية التي تشملها "رؤية المملكة 2030"، التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والهادفة في جزء منها إلى الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في تحديث السعودية.
أما عن المقومات المتوفرة لتحقيق الرؤية؛ فقد حددها تقرير صادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في يناير الماضي بعنوان: "ما وراء النفط: رؤية السعودية 2030 والعلاقات السعودية الكورية الجنوبية"؛ موضحًا أن هناك ثلاثة عوامل تدعم العلاقات بين السعودية وكوريا الجنوبية: أولها التكامل الاقتصادي؛ إذ يتمتع البلدان بمستوى غير عادي من الشراكة الاقتصادية بعيدًا عن المنافسة والنزاع؛ فتقدم السعودية الطاقة ورأس المال والموقع الاستراتيجي وسوقًا استهلاكيًّا كبيرًا وسوق البنية التحتية الذي يلبي رغبة كوريا الجنوبية في مصادر الطاقة المستدامة، والمزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر لتنشيط الاقتصاد، وتوفير سوق خارجي لشركات التصنيع ومشاريع البنية التحتية؛ في مقابل الخبرة التكنولوجية والصناعية في كوريا الجنوبية، ووجود المهندسين والعمال المهرة والخبرة الواسعة في مجال التنمية الاقتصادية والتجارة، وهو ما يضاعف من الثقة في الآمال المعقودة على النتائج التي ستحققها الرؤية.
وبالتزامن مع الزيارة الحالية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى جمهورية كوريا الجنوبية، مضى الجانبان قدمًا في تنفيذ الرؤية، فجرى توقيع 15 مذكرة تفاهم بين القطاعين الخاص والعام، بالإضافة إلى تسليم رخصتي استثمار من الهيئة العامة للاستثمار إلى شركات كورية لبدء أعمالها في المملكة، كما أعلن عن افتتاح مكتب تحقيق الرؤية في سيول بنهاية الربع الأول من عام 2020، سعيًا نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للرؤية السعودية الكورية 2030، التي سيتولى مكتب تحقيق الرؤية اكتشاف فرص تعاون أكبر بين البلدين على صعيد القطاعين الخاص والعام.