قبل أيام بدأت منافسات كأس أمم آسيا (2019) في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولأول مرة تنطلق البطولة بمشاركة 24 منتخبًا من شرق القارة وغربها، وبمشاركة عدد من المنتخبات لأول مرة في منافسات كرة القدم في أكبر قارات العالم التي شهدت المرور بمحطات ومراحل عدة، واكبت فيها معظم الاتحادات الأهلية بالقارة الصفراء التحول من زمن الهواة إلى الاحتراف لهذه اللعبة الشعبية التي باتت صناعة عالمية، ينفَق عليها مئات المليارات لتحقيق إيرادات مجزية.. ومئات الشركات والمستثمرين حول العالم يتسابقون لشراء الأندية الرياضية بالمليارات؛ والهدف هو المال، وإثبات السلطة والنفوذ، بل باتت بعض المؤسسات والمنظمات التجارية المدرجة في أسواق المال العالمية تستثمر في البنى التحتية الرياضية، ويتم إعلان أرباحها السنوية بمئات الملايين من خلال الاستثمار.. وتعتمد الأندية والمسابقات العالمية على حقوق النقل التلفزيوني كجزء من روافد هذا الاستثمار، إضافة للشراكات والرعايات والإعلانات التجارية. وقد دخلت العديد من الشركات الخليجية والعربية والآسيوية في هذا السباق الاستثماري المحموم للانتشار على قمصان وأطقم الأندية العالمية، وتجاوزت تلك الاستثمارات المليارات؛ لأنها لم تكن تبحث فقط عن العوائد المالية بل استهدفت إيجاد مكانة خاصة لبناء علامة تجارية قوية من خلال ارتباطها بانتشار شعارات تلك الأندية الأوروبية الكبيرة؛ ولذلك فإن الشركات والمؤسسات المتخصصة في مجال التسويق والتنمية والاستثمار أو الاستشارات الرياضية حصلت على امتيازات عالمية لتوسعة نطاقاتها واستثماراتها، والتوسع من خلال احتكار النقل التلفزيوني المباشر للمسابقات. فيما لا تزال هناك فرصة لاحتكار النقل الرقمي للمسابقات عبر الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية والتطبيقات، وهي الأدوات الأساسية للإعلام الجديد.. وهو ما يؤكد أهمية مزاحمة المتخصصين في التسويق الرياضي والتحول الرقمي لمواكبة هذا النوع الجديد من الاستثمار الجديد نوعيًّا.. ويبرز أهمية وجود أدوات إعلامية متميزة ومختلفة لمواكبة واحتكار هذا التحول النوعي الكبير للإعلام (الرياضي) الذي يمثل مظهرًا جديدًا ومختلفًا كليًّا بجميع أدواته، ليس في إطار ومفهوم الاتصال فقط، بل في مجمل ما يحيط به هذا الإعلام من مفاهيم خاصة؛ كونه ما زال في معظم جوانبه حالة جديدة غير كاملة الفهم لخصائصه الكاملة.
وقد نجح هذا الإعلام بشكله الجديد في تبني العديد من القضايا المهمة، وتحويلها لرأي عام بعد أن يتم إثارة المجتمع، ولفت أنظار المسؤولين إليها من خلال سرعة نقل نبض الشارع إلى قلب الحدث، كما أنها الطريقة الأسرع للشعور بهموم عامة الناس.. ولذلك فإن تجاهل استخدام قنوات الإعلام الجديد لأي جهة استثمارية سيكلف هذه الجهات خسائر كبيرة ما لم تتوافر خطة واضحة للاستفادة من خصائص الإعلام الجديد التي تضمن (التكامل، التفاعلية، التنوع، الجماهيرية، المشاركة الانتشار، تجاوز الحدود الثقافية وتخطي وحدتي المكان والزمان، معالجة مركزية الإعداد والبحث عن المصادر والتوزيع وتنوع المحتوى وسرعة التلقي وضمان الاستجابة عبر تعددية وسائل لفت الانتباه والتركيز).. وذلك من خلال اندماج وسائل الوسائط كــ(النصوص، والصوت، والصور الثابتة والمتحركة، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد..) وغيرها التي ستسمح لجميع أفراد المجتمع بأن يتفاعلوا ويعلقوا بكل حرية وبسرعة فائقة، وهو الأمر الذي سيخلق مضامين ثقافية وإعلامية جديدة، ستكسر احتكار المؤسسات الإعلامية الكبرى..
هجمة.. مرتدة!!
لأنها لعبة الفقراء فإن الشارع الرياضي في جميع أنحاء المعمورة يرفض فكرة التشفير لمباريات كأس العالم والبطولات العالمية الكبيرة، ولن يتقبل المشجع البسيط إطلاقًا فكرة الدفع للدوري المحلي كذلك.. ومع انطلاق بطولة أمم آسيا 2019 في دولة الإمارات الشقيقة تكررت ظاهرة التشفير للبطولة التي كانت بمباركة من الاتحاد الآسيوي للعبة، ومعها تم حرمان ملايين المشجعين الفقراء وغيرهم من متابعة منتخباتهم المشاركة التي قد تشارك في هذه البطولة لأول مرة.. وهنا يُطرح تساؤل كبير: كيف تم منح احتكار جميع حقوق النقل؛ ليتم تسييس الرياضة، وإدخالها ضمن أجندة سياسة بعض الدول؟! وكيف يتم الخروج من هذا المأزق؟ وكيف غابت عن القائمين على البطولات القارية ضرورة تحقيق إيرادات ومبالغ ضخمة، تتجاوز تلك التي تم دفعها لاحتكار النقل التلفزيوني؟! بالتأكيد هناك أفكار كثيرة لتعويض هذه المبالغ، وكسر هذا الاحتكار.. بالتأكيد قد آن الأوان لظهور تحالفات جديدة مع شركة استشارية متخصصة لدراسة الجدوى الاقتصادية للدخول في عالم التحول الرقمي، والظفر بالحقوق الرقمية للبطولات القارية والعالمية، وهي ما لا تتعارض مع حقوق النقل التلفزيوني؛ وبالتالي سيتم كسر هذا الاحتكار قانونيًّا.. وهو الأمر الذي راهنت كثيرًا على نجاحه، وتظل هذه الفرصة متاحة أمام الجميع قائمة لتدارك الوضع، والخروج من هذا المأزق إذا ما تم التفكير خارج إطار الصندوق، وبطريقة مختلفة تمامًا عن التفكير التقليدي للإعلام الرياضي الحالي.. فهل نرى كسر ذلك الاحتكار قريبًا لإنقاذ هذه اللعبة الشعبية، ومنح الجميع فرصة عدالة المشاهدة لجميع المباريات بدون أي تكاليف ترهق الجميع، مع تنوع آلية ووسائل متابعة ومشاهدة النقل التلفزيوني، مع خلق مصادر جديدة للاتحادات الأهلية والقارية لزيادة مداخيل وإيرادات اللعبة؟