تبدأ قوافل حجاج بيت الله الحرام مع بزوغ فجر اليوم التاسع من ذي الحجة بالتوجُّه إلى صعيد عرفات الطاهر مفعمين بأجواء إيمانية، يغمرها الخشوع والسكينة، وتحفُّهم العناية الإلهية، مُلبِّين ومتضرعين وداعين الله -عز وجل- أن يمنّ عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار.
وواكب قوافل ضيوف الرحمن إلى مشعر عرفات الطاهر متابعة أمنية مباشرة، يقوم بها أفراد مختلف القطاعات الأمنية التي أحاطت طرق المركبات ودروب المشاة لتنظيمهم حسب خطط تصعيد وتفويج الحجيج، إلى جانب إرشادهم وتأمين السلامة اللازمة لهم.
"سبق" ترصد أهم معالم مشعر عرفات، وفضله، وحدوده، وسبب التسمية، إضافة إلى وقت الوقوف فيه.
وردت بعض الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل هذا اليوم، منها ما رواه أبو هريرة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعْثًا غُبْرًا". وما روته السيدة عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو يتجلى، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم".
الوقوف بعرفة يتحقق بوجود الحاج في أي جزء من أجزاء عرفة، سواء كان واقفًا أو راكبًا أو مضطجعًا. وإذا لم يقف الحاج داخل حدود عرفة في هذا اليوم فلا يصح حجه؛ إذ يعد الوقوف بعرفة أهم ركن من أركان الحج؛ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه".
ذكر الإمام "القرطبي" في سبب تسمية المكان بعرفة أقوالاً عدة؛ إذ قال: "وقالوا في تسمية عرفة بهذا الاسم؛ لأن الناس يتعارفون فيه، وقيل لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم فكان يريه المشاهد فيقول له: أعرفت؟ فيقول إبراهيم عرفت. وقيل لأن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة هو وحواء التقيا في ذلك المكان فعرفها وعرفته".
عرفة المَشعر الوحيد الذي يقع خارج حدود الحرم، وهو المشعر الذي يقع على الطريق بين مكة والطائف شرقي مكة بنحو 22 كلم، وعلى بُعد 10 كلم من منى و6 كلم من مُزدلفة، وطول عَرفة يقرب الميلين، وعرضُه كذلك.
وعرفة سَهل مُنبسط مُحاط بسلسلة من الجبال على شكل قوس كَبير. وحدود عَرَفَة مِن ناحية الحَرَم هي نَمِرَة، وثُوَيَّة، وذي المجاز، والأراك. أما الحدود الثلاثة الأخرى لعَرَفَة فهي سلسلةٌ مِن جبالٍ سوداءَ، أَبْرَزُها أُمُّ الرَّضُوم.
وقد وُضِع لعَرَفة عَلَمَان يرمُزان إلى بدايتها، وعَلَمَان يرمُزان لنهايتها، توضيحًا لمن يجهل ذلك. وبَيْنَ الأعلام تَقع بَطْنُ عُرَنَة، التي قال رسول الله عنها: "عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ، إِلا بَطْنَ عُرنة".
وقت الوقوف بعرفة للحاج يبدأ من طلوع فجر يوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر يوم النحر، بينما ينتهي يوم عرفة لغير الحاج بغروب شمس اليوم التاسع.
والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، ولا يصح الحج إلا به، ومن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج؛ لحديث عبدالرحمن بن يعمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحج عرفة"، وكذلك حديث عروة بن مضرس الطائي قال: "أتيت رسول الله ﷺ بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيئ، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله ﷺ: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد أتم حجه وقضى تفثه".
من أشهر المواقع التاريخية جبل الرحمة، وهو الجبل الذي يقع في شمال شرقي عرفة، وهو ليس بالجبل الكبير، ولا يزيد ارتفاعه على 30 مترًا، وفي أعلاه شاخص، وقد بُني هذا الشاخص حتى يميزه عن الجبال الأخرى.
وليس للجبل علاقة بالأمور المتعلقة بالحج؛ إذ وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة فوق جبل الرحمة للدعاء، وقال: "نَحَرْتُ هَا هُنَا، وَمِنًى كُلهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ. وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وَجَمْعٌ كُلهَا مَوْقِفٌ" رواه مسلم.