مع التعديلات الجديدة هل ستواجه الحكومات من خلال تواجدها على منصة تويتر سواء من خلال حسابات أذرعها الحكومية أو بشكل عام إشكاليات بعد شراء المنصة من الملياردير إيلون "ماسك" وتغيير العديد من القواعد؟.
ما هي مخاطر الاختراقات الممكنة للحسابات الرسمية والمؤثرة في ظل ما أظهرته ملفات تويتر السرية التي نشرت خلال الشهور الماضية من إشارات وحراك أظهر من خلال ما يراه بعض الخبراء أن المنصة خضعت لجهات مثل FBI وغيرها؟.
هل ستؤدي التغييرات الجديدة لمزيد من الثقة في المنصة أو تزايد الدعوات للانسحاب منها على غرار ما فعلت بعض الشركات العالمية المعلنة على المنصة في وقت سابق؟
ربما هذه هي أهم الأسئلة التي تتردد حول مستقبل واحدة من أهم وأقوى وأبرز منصات التواصل الاجتماعي حالياً. بداية وقبل أيام نشر معهد بروكينجز تقريراً عنونه بـ(أربع سيناريوهات تنتظر "تويتر" في 2023م) قال فيه إن منصة التدوينات المصغرة "تويتر" وبعد شرائها من قبل الملياردير إيلون "ماسك" ستواجه أربعة سيناريوهات وهي:
1- الإفلاس: نظراً لأن الجزء الأكبر من عائدات الشركة يأتي من الإعلانات، وخصوصاً مع انسحاب الكثير من الشركات المعلنة على تويتر! يحتاج تويتر إلى أكثر من مليار دولار سنوياً فقط للحفاظ على بقائه.
2- ساحة للكيانات المتطرفة: في ظل تأكيد "ماسك" أن هدفه الأول هو السماح بقدر أكبر من حرية التعبير وقد يُستغل ذلك في نشر التطرف وخطاب الكراهية والتعصب.
3- مستنقع للهجمات الإلكترونية: حيث إن استقالة العاملين ذوي المهارات والكفاءة تعني أن بنيته التحتية التقنية وحماية الموقع من تهديدات الخصوصية والأمن السيبراني أصبحت أقل فعالية.
4- تقديم خدمات جديدة مميزة: وهو جانب مثالي حيث توجد فرصة لـ إيلون "ماسك" لإطلاق منتجات وميزات جديدة تجذب الناس مرة أخرى لتويتر وبالتالي تعيد المعلنين لها.
بكل تأكيد يعد تويتر المنصة الأكثر حضوراً من حيث تواجد الشخصيات السياسية العالمية المؤثرة، وأكبر وأقوى المنظمات. وخليجياً على وجه التحديد يمتلك تويتر حضوراً قوياً حكومات وأفراداً، ووفقاً للخبراء فهو في الخليج والمملكة العربية السعودية تحديداً من أهم المنصات التي يتواجد عليها السعوديون، بل ومع حرص كل الجهات الحكومية الرسمية على فتح حسابات على المنصة وتوثيقها أصبح تويتر منافساً قوياً بل وأكثر كمصدر للأخبار لحرص تلك الجهات الحكومية على بث جديدها عبره للوصول بشكل سريع للجماهير.
ونظراً لتلك الأهمية سارعت الحكومات لسن بعض القوانين لمنع وتجريم الأخطاء والصدامات والتضليل وغيرها من الإشكاليات.
ويشير تقرير الإعلام الاجتماعي العربي 2017م الصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية إلى تصدر المملكة العربية السعودية دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك العربية من حيث عدد مستخدمي تويتر. ويلي ذلك على الصعيد الخليجي، الإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، ثم سلطنة عمان، وفق التقرير نفسه. كما يأتي تويتر ضمن أكثر المواقع شعبية بدول مجلس التعاون الخليجي وفق مؤشرات موقع ألكسا العالمي في 30 ديسمبر 2016. ففيما يحتل المركز الـ11 بين أكثر المواقع التي يزورها الكويتيون، يأتي في المرتبة 12 بالسعودية، و20 بقطر، و24 بالإمارات، و26 بعُمان، و27 بالبحرين.
ووفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط" يستمد «تويتر» أهميته من تمركزه الجيد كإحدى أهم وسائط «التواصل الاجتماعي» فيما يخص إرساء أولويات العالم الجادة، ولتحوله آلية اتصال سياسي على الصُّعد المحلية والدولية، ولدوره المؤثر في السياسة الأمريكية تحديداً. وإذا نجح في أن يحول قدراً مهماً من اعتماده المالي على الاشتراكات بدلاً من بيع البيانات، فإن أهميته ستتزايد، حتى وإن تراجعت أرباحه.
في تحقيق لموقع "مسبار" حول ما إذا كان أصحاب الحسابات على تويتر مراقبين مثلاً؟".. يتوصل التقرير إلى أن "تويتر" يعتبر من مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر إثارة لهذه التساؤلات، ويقول التقرير أن تويتر مستمر في توظيف بيانات المستخدمين، وهذا يفترض أولاً الاطّلاع عليها.
كما استشهد التقرير بما كشفه موقع "بروجيكت فيريتاس" المختص في التحقيقات الصحافية عن مقطع فيديو يُظهر بعض موظفي موقع تويتر وهم يكشفون تفاصيلَ سرية للغاية عن وظيفتهم. غير أن التقرير يخلص إلى أن المعلومات السرية لمستخدمي تويتر تظل بعيدة عن المراقبة، وأنّ تويتر غير مراقب إلا في حالات استثنائية.
في مقابل ذلك نشر تقرير لبي بي سي نيوز في سبتمبر 2022م عن بيتر زاتكو وهو رئيس قطاع الأمن السابق في تويتر قوله أمام المشرعين الأمريكيين إن الشركة "تضلل الجمهور" بشأن مدى الأمان الحقيقي للمنصة. وزعم أن تويتر "متأخر بعقد من الزمان" عن معايير الأمان، وأن بيانات المستخدمين ليست محمية بشكل كافٍ وأن عدداً كبيراً جداً من العاملين بالمنصة يمكنهم الوصول إليها. وفي شهادته التي تدين تويتر، وصف زاتكو المنصة بأنها تعطي الأولوية لإدرار الإيرادات على أي شيء آخر، ونصف العاملين بالشركة مهندسون وبإمكانهم جميعاً الوصول إلى المعلومات الشخصية للمستخدمين، مؤكداً أن المنصة لا تسجل نشاط الموظفين الذين يصلون إلى البيانات الخاصة - وهو ما فاجأه."
وفي تقرير لقناة الحرة في نوفمبر 2022م نقل عن ورقة تحليلية لمعهد "بروكنغز" أن كون تويتر منصة رئيسية، لتداول الخطاب السياسي في الولايات المتحدة وأن تويتر يضم المعلومات الشخصية والحساسة لعشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين، ويبقى منصة رئيسية للخطاب السياسي الأمريكي، مما يجعل احتمالية التأثير الأجنبي على الرأي العام وتوجهات الناخبين في الانتخابات قائمة.
القلق متزايد حول تويتر برؤية "ماسك". ففي مطلع ديسمبر 2022م حذّر المفوض الأوروبي لشؤون السوق، تييري بروتون، رئيس شركة "تويتر"، إيلون "ماسك"، قائلاً إن عليه بذل المزيد من الجهود لمكافحة المعلومات الكاذبة من أجل الامتثال لقانون الاتحاد الأوروبي، سيتعين على تويتر تنفيذ سياسات شفافة وتعزيز الإشراف على المحتوى وحماية حرية التعبير ومعالجة المعلومات الكاذبة بحزم والحد من الإعلانات المستهدفة".
وفي الوقت الذي أعلن خلاله البيت الأبيض مراقبة موقع تويتر وما ينشره من أخبار قد تكون مضللة أو تعمل على تأجيج ونشر خطاب الكراهية، انتشرت أنباء بشأن حذف تطبيق تويتر من متاجر الهواتف. ولكن "ماسك" حذر من أنه سينشئ هاتفه الذكي الخاص إذا أزالت أبل وغوغل تطبيق تويتر من متاجر التطبيقات الخاصة بهما بسبب انتهاكات القواعد المحتملة المتعلقة بالمحتوى. ووفقاً للأنباء، كشفت تقارير أمريكية عن احتمال اتجاه أبل وغوغل بحذف تطبيق تويتر من المتاجر الخاصة بهما في ظل مراقبة أداء الموقع من جانب مسؤولي الإدارة الأمريكية.
في تحليل موسع لموقع "بوبيولار ميكانيكس" رأى أن أبرز ما هو متوقع أن يقوم به "ماسك" يتمثل في جوانب عديدة مثل التعامل بشكل أكبر لدعم حرية التعبير، والثاني (الخوارزمية) حيث أن "ماسك" كان واضحا في أنه يعتقد أن تويتر يجب أن يفتح "خوارزميته"، فمن خلال فتح الخوارزمية التي يستخدمها تويتر، يمكن للمستخدمين معرفة كيف يقرر تويتر رفع أو ترويج بعض المحتوى، وربما تقديم اقتراحات بشأن هذا الأمر. والثالث تنقية الموقع وتخليصه من المحتالين والروبوتات، والرابع تقنين الإعلانات وتفعيل أكبر للاشتراكات لتمويل تويتر، والرابع رأيه في دعم خيارات أكبر في التحكم بالتغريدات.
في ديسمبر الماضي 2022م أعلن "ماسك" بعد شرائه تويتر أنه سينشر مجموعة وثائق سرية أسماها (ملفات تويتر السرية) والتي تفضح وثائق داخلية لسلفه وذلك بالتعاون مع الناقد الدائم للرقابة على الانترنت للصحفي مات تايبي. وبحسب المراقبين كان "ماسك" يأمل بنشره لتلك الوثائق في إظهار مدى تحيز المنصة واتخاذها قرارات لمساعدة الرئيس الحالي للولايات المتحدة جو بايدن في الانتخابات حينها. وكشفت الملفات جوانب اعتبرت أن تويتر سمح لجهات حكومية أمريكية بالتدخل في قراراته والمشاركة في تسييس أحداث لصالح أطراف ما، ومن ذلك أن زوجة الرئيس الأمريكي السابق أوباما تدخلت لحظر حساب الرئيس السابق ترامب، وملفات تتعلق بهانتر ابن الرئيس بايدن وتورطه هو ووالده في معاملات تجارية مشبوهة مع أوكرانيا. وكذلك تعامل تويتر مع مقال لصحيفة شهيرة (نيويورك بوست) وحظر تويتر المستخدمين من التغريد برابط المقال، أو حتى إرساله في رسائل خاصة للآخرين.
غير أن الكثير من الخبراء يرون في النهاية أن السلطات الأمريكية نجحت بشكل أو باخر بإجبار -وبشكل منتظم- إدارة "تويتر" على ممارسة الرقابة وإزالة تغريدات، حسبما كشف الصحفي الأمريكي مات تايبي مستشهدا بوثائق داخلية للشركة ومؤكداً: مستخدمي "تويتر"، بمن فيهم المشاهير، كان يمكن "إلغاؤهم" بأمر سياسي.
هذا فيما كشفت هذه الملفات أنه كانت هناك علاقة وثيقة مع السلطات الفيدرالية، مثل: FBI، والأمن الداخلي، وكان هناك اجتماعات أسبوعية كشفتها ملفات تويتر؛ لأخذ التوجيهات الخاصة بإدارة المحتوى. ومنها سياسة النشر وغلق الحسابات. كما كشفت تحقيقات أنه "في 2018 و2020 و2022 ذهبت 96٪ و98٪ و99٪ من التبرعات السياسية لموظفي تويتر إلى الديمقراطيين".
ما زال تويتر يتعرض لاختراقات بشكل أو بآخر، ولعل من أبرزها الإعلان في مطلع يناير الحالي عن اختراق 400 مليون حساب على تويتر وعرضهم للبيع في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2022م. فقد قام أحد القراصنة أو المخترقون بالتسلل إلى بيانات تويتر ووضع 200 مليون حساب من المعلومات الخاصة للمستخدمين للبيع. وطالب المتسلل بمبلغ 200 ألف دولار لإعادة البيانات المخترقة في ديسمبر، لكنه حذر من أنه إذا لم يتم الوفاء بشروطه، سينشر البيانات مجاناً. غير أن بعض خبراء الأمن السيبراني يؤكدون أن الاختراق كان في عام 2021م، وأنه بعد إصلاح الثغرة بدأ القراصنة بنهاية 2022م في تسريب مجموعات البيانات التي فات على جمعها أكثر من عام، وطرحها للجميع مجاناً.
من الجوانب التي أذهلت بعض المتابعين ما نقل عن أن المنصة تبحث إمكانية بيع بعض أسماء المستخدمين الفريدة. وفي تقرير لـ"الشرق الأوسط" نشر في 12 يناير 2023 مـ نقل عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مصادر مطلعة قولها إن منصة التواصل الاجتماعي «تويتر» تبحث إمكانية بيع أسماء المستخدمين الفريدة في مزادات عبر الإنترنت لزيادة إيراداتها.
وفي كل الأحوال لا تبدو صورة إيلون "ماسك" التي يريد أن يظهر بها كقائد للمنصة العالمية، فهناك من يرى أنه يهدف أساساً لتحويل تويتر لشركة خاصة تبحث عن أرباح، فيما يرى طرف آخر أنه قد لا يصمد أمام ضغوط بعض الحكومات في ظل أن تويتر يمثل شاء أم أبى من أدوات إدارة الجماهير وبالتالي سيكون -في ظل التوسع في حرية الرأي- يتيح مجالاً لخطابات التطرف والعنصرية والكراهية ونحوها وأيضاً كأداة لها دورة في لعبة الانتخابات الأمريكية بالذات.
ما قام به "ماسك" حتى الآن ينظر لها أنها مليئة القلق ومن ذلك خفض كبير لأعداد الموظفين، وتولي الإدارة بنفسه وفصل المعارضين وبانتظار التحركات القادمة التي مهما فعل فسوف يواجه في نهاية الأمر الوقوع في معمعة الحراك العالمي بحكم أن يضم الكثير من النخب السياسية وخبراء إدارة السمعة ونحوها.
وتبقى الإشارة إلى أن كل ما هو على مواقع التواصل الاجتماعي بحجم تويتر سيكون عرضة للاستهداف من جهات عديدة تتحرك حسب مصالح متنوعة لذا التوصيات برفع القدرات الأمنية هو الخيار الأهم حالياً.