يحذّر الكاتب والمحلل السياسي عبدالرحمن الراشد، من استغلال التنظيمات الإرهابية للحشد العاطفي لقضية فلسطين؛ من أجل استقطاب شباب العالمين العربي والإسلامي واستغلالهم كما حدث من قبل في أفغانستان، وسوريا، والعراق؛ مؤكدًا أن عشرات الآلاف من شباب دولنا الذين ماتوا في ساحات الحروب؛ بدأوا بدايات بسيطة وبريئة، بجلسات وعظ، أو التبرع، أو التفاعل في حسابات السوشيال ميديا؛ ففي ذروة العواطف الملتهبة لا أحد يتأمل ويفكر، والقضايا تتكرر، ولا أحد يتساءل، إلى ماذا انتهت التنظيمات الأخرى؟
وفي مقاله "إنهم يسرقون أولادكم للمرة العاشرة" بصحيفة "الشرق الأوسط"، يقول الراشد: "الأغلبية لا تستطيع إلا التعاطف مع ما يحدث للمدنيين في غزة، عدوان مرفوض، كما أن هجوم حماس على المدنيين في إسرائيل مرفوض دينيًّا وإنسانيًّا.. رفض استهداف المدنيين هو السلوك الطبيعي. وفي السياق نفسه، لا ينكر عدالة قضية فلسطين، أرضًا ودولة، إلا جاهل أو متحامل.. مع هذا، في منطقتنا المضطربة التعاطفُ الأعمى خطوةٌ أولى تتبعها خطوات.. هذا ما جرى في أفغانستان، وسوريا، والعراق. لكل عقد زمني قضية. وحاولوا استخدامها في معاناة مسلمي الشيشان ضد الروس، ثم مسلمي الأويغور الصينيين. ولولا أن الحكومات العربية منعت تداولها لهبّ الآلاف لقتال الصين. التورط في الحروب يبدأ بتوظيف التعاطف واستغلال الدموع".
ويضيف "الراشد": "العالم من حولنا مملوء بالمآسي والفواجع والأشرار، لا تنتهي حرب إلا وتبدأ أخرى، وتصبح معاناة الناس مزمنة مع مشاهد دموية. دائمًا هناك من يوظف المآسي، مستنجدًا بالقيم الدينية والإنسانية. ويتم نقل التعاطف الطبيعي من المأساة، بتعميم الشعور بالذنب والمسؤولية، أين أنتم يا عرب؟ ومن خلال توجيه الرسائل والحث على المشاركة، غردوا وقاطعوا وهاجموا. وعبر صنع الرموز (تنظيمات وأشخاص وملابس). شحن العامة بنقلهم من الأسى إلى الغضب، ومن الغضب الفردي إلى الجماعي، إلى التعبير عنه برسائل، إلى التفاعل وتكسير مقاهٍ ومطاعم، ثم الانخراط في الحملات الأوسع، بالدعم المادي وأخيرًا الانتقال إلى حواضن التجنيد أو دعمها".
ويطلق "الراشد" صيحة تحذير، ويقول: "تعتقدون أنها مبالغة بشعة؟.. الحقيقة الأكيدة أن عشرات الآلاف من شباب دولنا ماتوا في ساحات الحروب. بدأت رحلتهم بجلسات وعظ، أو التبرع، أو التفاعل في حسابات السوشيال ميديا، والآن الصغار من خلال مراسلات الألعاب الإلكترونية. كلهم بدأوا بدايات بسيطة وبريئة.. ما حدث لغزة شهدناه من قبل في أفغانستان، بدأ بدعوة للتعاطف مع أهلها عندما كانوا تحت الاحتلال السوفييتي، ولم يكن معظم المتعاطفين يعرفون حتى أين تقع أفغانستان على الخريطة. واتسعت الدائرة تحت شعار دعم أهل سنة العراق -عند السنة- ضد المحتل الأمريكي، ودعم شيعة العراق ضد "داعش". واستجاب آلاف العرب والأجانب من صغار العمر، تم تجميعهم في سوريا التي كانت تسهل لهم القتال في العراق.. ثم امتد حريق الحرب إلى سوريا، التي حركت أحداثها كل قلب، حتى مَن لا قلب له. هب آلاف الشباب، بأرقام خرافية، رغم المنع والتحذيرات من بلدانهم، إلى تركيا وعبروا حدودها إلى هناك. انتهت رحلتهم إما قتلى، أو عاشوا متطرفين، واستمروا لعبة في أيدي تنظيمات إجرامية، وقلةٌ منهم تمكنت من العودة لبلدانها مهزومة مكسورة القلب".
ويخلص "الراشد" إلى أن: "الحشد العاطفي الجماعي يقوم على قضية عادلة، صور أطفال ونساء وشيوخ عزل، والغضب أعمى، يستغل ويدار سياسيًّا من فئات لها أجنداتها تتسبب في اضطرابات المجتمعات وزرع الفوضى.. في ذروة العواطف الملتهبة لا أحد يتأمل ويفكر. القضايا تتكرر، ولا أحد يتساءل، إلى ماذا انتهت التنظيمات الأخرى؟".
وينهي "الراشد" برسالة قوية، ويقول: "الصغار الذين قاتلوا في أفغانستان والعراق وسوريا جاءوا من البيئة المحرضة نفسها، والمجتمعات الغافلة، والحكومات المتساهلة. تعاطفوا مع غزة وأهلها لكن لا تنساقوا وراء الحملات الهائجة، ودعاة الغضب والانتقام والكراهية. لقد سرقوا أولادكم مرات من قِبَل فلا تجعلوهم يسرقونهم مرة أخرى. وأملنا يبقى كبيرًا في السلام، وأن يحقق ما لم تحققه كل الحروب الماضية الفاشلة".