السعي بين جبلي الصفا والمروة واجبٌ على جميع الحجاج والمعتمرين؛ إذ هو ركن من أركان الحج والعمرة، يؤديه الحاج والمعتمر بعد الطواف بالكعبة المشرف، وقد مرّ المسعى بين الصفا والمروة بتغيرات وتوسعات عبر التاريخ، منذ عهد النبي إبراهيم عليه السلام حتى اليوم.
"سبق" تسلّط الضوء على المسعى وجبل الصفا وجبل المروة وما اعتراهما من تغيرات منذ زمن إبراهيم عليه السلام، وفي العصر الجاهلي، والعصر النبوي، وما حدث لهما من توسعات في عصر الخلفاء الراشدين، والخلفاء والملوك بعدهم، إضافة إلى العناية الفائقة من لدن ملوك الدولة السعودية.
قبل النبي إبراهيم عليه السلام، لم يكن بين جبل الصفا وجبل المروة بيوت ولا منازل، بل كانا جبلين بينهما واد فيه حجارة وصخور، بل مكة المكرمة لم تبدأ فيها أي مظاهر للحياة إلا عندما أَسكن نبي الله إبراهيم زوجتَه هاجر وابنه إسماعيل؛ حيث جاورتهم قبيلة جرهم فيما بعد فأخذت ملامح الحياة تظهر وتنمو بعد أن رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، وجرت إصلاحات بسيطة في مواضع سكنى الناس.
وفي الجاهلية كانت البيوت تحيط بالكعبة والمسعى؛ حيث أمر قصي بن كلاب قومه أن يبنوا بيوتهم حول الكعبة بما في ذلك المسعى، وبنى هو دار الندوة في الجانب الشمالي.
وفي العهد النبوي كانت البيوت قليلة في المسعى؛ حيث لم يكن في المسعى دور كثيرة؛ إذ توجد بيوت قليلة بنيت في عرضه، ثم كثرت وتعددت بعد ذلك.
وفي عهد الخلفاء الراشدين، كان أول من أمر بتجديد وتوسعة المسجد الحرام الخليفة عمر بن الخطاب، وفي عهد التابعين ازداد عدد سكان مكة والقادمين إليها، فبدأت توسعة المسجد الحرام في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، وتمت إضاءة ما بين الصفا والمروة بالقناديل ليلًا.
خلال مرور الزمن وكثرة الحجاج والمعتمرين، صغر حجم جبل الصفا وجبل المروة وقلت الحجارة فيهما، بل تعرضا للتكسير بسبب بناء البيوت والدكاكين والحوانيت، وبسبب شقّ الطرق، كما انجرفت تربة الجبلين بسبب السيول على جانبيهما.
ولم تتطرق المصادر التاريخية لمكة وحرمها إلى ذكر أول من قام بعملية تسوية أرض المسعى الواقعة بين جبلي الصفا والمروة، وتمهيدها وإزالة الأحجار والعقبات منهما؛ لأن أرض المسعى كانت واديًا فيه ارتفاع وانخفاض واعوجاج.
وكانت توسعة الخليفة العباسي محمد المهدي من أعظم وأكبر توسعات الحرم المكي، والتي شملت جزءًا من أرض المسعى بعد أن تمت إزالة بعض الدور والدكاكين.
توالت من بعده أعمال التوسعة والاهتمام من قبل الخلفاء والملوك، حتى قام حسين بن علي عام ١٣٣٥هـ بفرش المسعى بالبلاط "بالحجارة الجبلية"؛ بغرض إصلاحات وترميم أرض المسعى، وكانت أرضها من قبل ترابًا، فإذا كثر الحجاج تصاعد منها الغبار.
ولم يكتفِ حسين بن علي بذلك، بل قام بسقف المسعى؛ حيث كان أول من قام بسقفه منذ تاريخ بناء المسجد الحرام، وكان هذا في شهر شوال سنة 1335هـ، وامتدّ السقف من المروة إلى باب العباس فقط، ولم يكمل لقصر المسافة المتبقية؛ حيث قال محمد طاهر الكردي: "أنشأ الشريف حسين بن علي مظلة على المسعى من ناحية المروة حتى باب العباس، وظل الجزء الآخر الممتد من العباس إلى الصفا بدون مظلة".
قبل التوسعة السعودية للمسعى عام 1375هـ كان بيت الصفا والمروة مسيل فيه سوق كبيرة تباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وغيرها، ولم تكن في مكة سوق منظمة سوى هذا السوق الذي يقع في المسعى، كما كان المسعى به التواء واضح ولم يكن على استقامة واحدة.
وفي العهد السعودي قام الملك عبدالعزيز عام 1345هـ بفرش المسعى بالحجارة؛ منعًا لإثارة التراب والغبار، ثم قام الملك عبدالعزيز بسقف المسعى في عام 1366هـ؛ حيث بلغ عرض السقيفة التي أمر بإنشائها 20 مترًا وبطول 350 مترًا من الصفا حتى المروة.
في عام 1368هـ بدأ الملك سعود في توسعة شاملة للمسجد الحرام وعمارته في ثلاث مراحل؛ شملت إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة في الجهة المقابلة للمسجد شرق المسعى، ثم بدأ في بناء الدور الأرضي من المسعى وإدخاله داخل المسجد الحرام، ومن ثَم تم بناء الطابقين في المسعى لاستيعاب أعداد الساعين المتزايدة؛ حيث بلغ طول المسعى 395 مترًا وبعرض 20 مترًا، وبلغ ارتفاع الدور الأرضي للمسعى 11.75 مترًا، والدور الثاني 8.5 أمتار، مع إقامة حائط طولي ذي اتجاهين، وتخصيص مسار مزدوج يستخدمه العجزة، وإقامة حاجز في وسط المسعى يقسمه إلى قسمين؛ أحدهما مخصص للسعي من الصفا إلى المروة، والثاني من المروة إلى الصفا، وبهذه التوسعة دمج المسعى داخل المسجد الحرام، وأنشئ للحرم 16 بابًا في الجهة الشرقية من ناحية المسعى.
قام الملك فيصل بن عبدالعزيز في عام ١٣٨٤هـ بتشييد قبة الصفا المقببة، وكسوة واجهات الدور الأول من المسعى وأعمدته وأرضيته بالرخام، وتغطية سقفه بالزخارف المصنوعة من الحجر الصناعي
في عهد الملك خالد تم تركيب مكيفات ومراوح في المسعى، وتركيب حواجز معدنية على جانبَي الحاجز الأوسط بطول ممر المسعى بالدور الأرضي، بعرض متر واحد في كل اتجاه، لتكون ممرًّا لعربات العجزة والمعاقين.
في عهد الملك فهد شهد الحرمُ المكي أكبرَ توسعة في تاريخه، وذلك عام 1415هـ، ولقي المسعى حظه من التوسعة فتمت توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول، وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا.
وفي عام 1417هـ تمت إعادة تهيئة منطقة المروة لغرض القضاء على الزحام، حتى صارت مساحة المنطقة 375 مترًا مربعًا، بدلًا من المساحة السابقة 245 مترًا مربعًا، وفي نفس العام حصلت توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأول، وأُنشِئت أبواب جديدة في الطابق الأرضي والأول للدخول والخروج من جهة المروة.
في عام 1420هـ جرى فتح عدد من الأبواب في المسعى، وجُعل عند نهاية المسعى من جهة الصفا شرفة مستديرة كبيرة وأخرى صغيرة عند نهايته من جهة المروة؛ كي يرى الحجاج الساعون في الدور الأول جبلَي الصفا والمروة، وفي الدور الأرضي ترك جزء من جبل الصفا عاريًا على الطبيعة، وكذلك جبل المروة، ثم بلطت منحدرات الصفا والمروة بالرخام على شكل مربعات بارزة وبينهما فراغات.
وترتفع على جبل الصفا مئذنة من مآذن المسجد الحرام التسع، وبجوارها قبّة كبيرة ترتفع على أربعة أعمدة أسطوانية كبيرة، أما فوق جبل المروة فقد أُنشئِت قبة صغيرة مزخرفة من الداخل.
وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبالتحديد في عام ١٤٢٨هـ بُدِئ بهدم بناء المسعى القديم، واستُبدل به مبنى جديد؛ حيث وسع المسعى من ناحية الساحة الشرقية بزيادة قدرها عشرون مترًا، ليصبح عرض المسعى الكلي أربعين مترًا، وزيادة طابق علوي ثالث للمسعى، ليصبح عدد الطوابق الكلي للمسعى أربعة طوابق؛ طابقان، بالإضافة للبدروم، والدور الأرضي.
وبذلك أصبحت مساحة التوسعة الإجمالية الجديدة تجاوزت 87 ألف متر مربع، بعد أنْ كانت المساحة الإجمالية تقارب 29 ألف متر مربع، بزيادة تجاوزت 58 ألف متر مربع، فيما تبلغ مسطحات البناء الإجمالية بكافة الأدوار لمناطق السعي والخدمات حوالي 125 ألف متر مربع، وأنشئت مئذنة جديدة بارتفاع 95 مترًا ليتناسب عدد المآذن وشكلها مع مساحة التوسعة الجديدة للمسعى.
ويتكوّن مشروع التوسعة من أربعة أدوار؛ بدروم للعربات، ودور أرضي، ودوران أول وثانٍ، بطول 350 مترًا.
أكّد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أكثر من مناسبة، أن أولى مهامه حراسة المقدسات الإسلامية، والعناية بها، كما هو شأن قادة هذه البلاد بداية من الملك عبدالعزيز، رحمه الله، ومن بعده أبناؤه، إلى هذا العهد الذي وصلت فيه خدمة الحرمين إلى مرحلة لم يسبق لها مثيل.
وبدأت جهود وأوامر خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، بالعناية والمتابعة الكاملة لأعمال توسعات الحرم المكي الشريف تؤتي أكلها بإذن ربها؛ حيث دشَّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خمسة مشاريع رئيسية ضمن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة؛ هي: مشروع مبنى التوسعة الرئيسي، ومشروع الساحات، ومشروع أنفاق المشاة، ومشروع محطة الخدمات المركزية للمسجد الحرام، ومشروع الطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام.
وقام ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بجولات عديدة على مستويات الإنجاز بالتوسعة السعودية الثالثة، والمشاريع المرتبطة بالخدمات المقدمة لزوار بيت الله الحرام، والمنجزات المتعلقة بزيادة الطاقة الاستيعابية بالمسجد الحرام لاستقبال الزوار والمعتمرين من ضيوف الرحمن، في إطار تحقيق أحد أهداف رؤية السعودية "2030" باستقبال أكثر من 30 مليون معتمر.
وشملت التوسعات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، المسعى بين الصفا والمروة؛ فمنذ عام 2015 وحتى الآن تمت زيادة مساحة المسعى لاستيعاب 70 ألف مصلٍّ، وزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 118 ألف ساعٍ في الساعة.