تكرار حرق نسخ من المصحف الشريف في السويد.. بين ازدواجية "الدستور" واستغلال "المتطرفين"

كاتب سويدي: لهذا لا يتم حرق علَم "المثليين".. والعلمانية والإلحاد مَن كَتَبَا لنا حريات التعبير!
السويد
السويد

في مقال للكاتب السويدي "إيفيد لارسون" نشره المركز السويدي للمعلومات (SCI) يقول: السياسيون السويديون أعلنوا رسميًّا أنه في السويد يمكن حرق الكتب المقدسة للإسلام والمسيحية والسخرية من هذه الأديان. وحول حرق علم المثلية يضيف متهكمًا: علَم المثلية لا قيمة له وفقًا للقانون؛ ولكن لأن المثلية هي رمز للحريات المعاصرة، وتمثل فئة اجتماعية تعاني من الاضطهاد؛ فإن القوانين في السويد ستعتبر أن حرق عَلَم المثلية هو بمثابة جريمة كراهية، ولا يمكن منح تصريح تظاهر لفعل ذلك؛ فكيف نمنح تصريحًا لنشر الكراهية!

ويتوسع "لارسون": وماذا عن الكتاب المقدس (التوراة)؟ هو أيضًا مثل أي كتاب مقدس يمكن حرقه وفقًا للقانون السويدي؛ ولكن هناك ثغرات قانونية قد تجعل حرق التوراة وعلَم إسرائيل في تظاهرات مصرّح لها؛ بمثابة "معادة للسامية"! وهي جريمة في القانون السويدي!

ويضيف: "هذا يجعلنا نقف متفرجين أمام مفاهيم حرية التعبير، التي لها وجهان مختلفان، ولها مقاييس متعددة؛ بل ولديها تمييز بين الأحداث المتشابهة، ولو حاولت النقاش فسوف تتصادم مع مصطلح "قيم المجتمع"، وهي قيم مجتمعية مطاطة تمامًا كقيم حرية التعبير؛ ولذلك عندما تريد الحوار حول هذه القيم والحريات ستجد أن الحوار انتهى.

ويختم الكاتب مقاله: "لا يوجد حريات كاملة في كل المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ حتى في المجتمع الغربي"؛ فالحرية الكاملة يمنحها مَن خلقها لنفسه فقط، ويحرمها على الآخر. وفي الغرب كانت العلمانية والإلحاد هي مَن كتبت لنا ما هي حريات التعبير، وما هو مسموح به وما هو غير مسموح.. فلا حرية مطلقة لنا في المجتمع، فالحريات الكاملة ستظل حكرًا لمن خلقها وفرضها على المجتمع.

إدانة عالمية لحادثة حرق المصحف الشريف

كانت المملكة العربية السعودية أول الدول التي أدانت قيام أحد قيام أحد المتطرفين بحرق نسخة من المصحف الشريف عند مسجد ستوكهولم المركزي في السويد بعد صلاة عيد الأضحى المبارك؛ مشددة على "أن هذه الأعمال البغيضة والمتكررة لا يمكن قبولها بأي مبررات، وهي تحرض بوضوح على الكراهية والإقصاء والعنصرية، وتتناقض بشكل مباشر مع الجهود الدولية الساعية لنشر قيم التسامح والاعتدال ونبذ التطرف، وتقوض الاحترام المتبادل الضروري للعلاقات بين الشعوب والدول".

وعلى نطاق عام وواسع على مستوى العالم استمر تصاعد التنديد والاستنكار على المستوى الرسمي والشعبي في كافة أنحاء العالم، وصولًا للمطالبة بتحريك إجراءات ضد الدولة (السويد) بشكل عام؛ مثل المقاطعة وقطع العلاقات.. وعلى مستوى الفاعل؛ كانت المطالبة باعتقاله ومحاكمته لما قام به من عمل يخرج -بكل تأكيد- عن سياق حرية التعبير، وقائم على الاستفزاز وإثارة خطاب الكراهية والعنصرية؛ متذرعًا بحرية الدستور السويدي الذي وصف بالتناقض.

ما حدث ليس حرقًا للقرآن الكريم

يقول الشيخ الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي في تعليق له حول حادثة مماثلة سابقة: إن "ما حدث هو حرق نسخة من المصحف الشريف وليس القرآن الكريم؛ فالقرآن محفوظ بحفظ الله جل وعلا؛ فهذه نسخة وقعت في يد متطرف كاره حاقد محتمٍ بدستور كفَلَ له التصرف في هذا الأمر كيفما شاء. هم يقولون إن ذلك من حقه في التعبير عن رأيه ما لم يتجاوز ذلك بفعل ضار بعمل مادي ملموس.. وإذا وصل الأمر لهذا الحد يصبح عنفًا، وهو ممنوع في الدستور. في حال قام الحاقد بالدخول إلى مسجد من المساجد وتمزيق نسخة من المصحف الشريف فهذا يُعد عنفًا وهذا النوع من العنف يعد جريمة".

الشرطة دعمت المتطرف!

وحول تدبير المتطرف لما قام به، نشرت "يورونيوز" في تقرير لها، أن المتطرف "سلوان موميكا" (37 عامًا) الذي فر من العراق إلى السويد قبل سنوات؛ قد كتب للشرطة في الطلب الذي تَلَقّت وكالة "فرانس برس" نسخة منه: "أريد التعبير عن رأيي حيال القرآن". ووسط حراسة مشددة من الشرطة قام بفعلته المشينة وسط حشد ضَمَّ عشرات الأشخاص عبر مذياع". فيما أصدرت الشرطة بيانًا قالت فيه: "إن الاحتجاج لم يتسبب في "اضطراب في النظام"؛ لكنها أضافت أنه تم فتح تحقيق بشأن "إثارة توتر ضد جماعة عرقية"؛ لأن الرجل اختار حرق القرآن قرب مسجد. هذا فيما يقدم المتطرف نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي كـ"مفكر وكاتب علماني ملحد" و"عضو في حزب ديمقراطيي السويد (SD)". ويحتفي في منشوراته باليميني المتطرف "راسموس بالودان" الذي أقدَمَ على حرق نسخ من المصحف مرات عدة.

وسبق لهذا المتطرف الخبيث أن نشر قبل موعد ما قام به، تعمده ذلك في عيد المسلمين عيد الأضحى، مضيفًا: "سأحرق المصحف أمام الجامع الكبير في ستوكهولم، وسوف أحرق أيضًا علَم العراق لأنه لا يمثلني. وسبَق له أن أحرق نسخة من المصحف أمام السفارة التركية في ستوكهولم في يناير الماضي؛ مما أثار موجة من ردود الأفعال العالمية الغاضبة، ودفع تركيا إلى تشديد موقفها المتشدد أصلًا من مسألة عضوية السويد في حلف الناتو

تصريحات غير مسؤولة

.وُصفت تصريحات المسؤولين السويديين المتزامنة بأنها تبدو "مستفزة" أكثر من العمل المشين نفسه؛ ومن ذلك تصريح رئيس الوزراء أولف كريسترشون في مؤتمر صحفي: "أمر قانوني؛ لكنه غير مناسب.. المسألة متروكة للشرطة لاتخاذ القرار بشأن مظاهرات حرق المصحف. أعتقد أننا نعيش في وقت ينبغي فيه على المرء أن يظل هادئًا ويفكر فيما هو الأفضل لمصلحة السويد على المدى الطويل".

ووفقًا لتقرير لموقع "صدى البلد" المصري، يرى أن السويد تحديدًا تحتضن دعوات حرق المصحف لأسباب 3؛ وهي المبالغة أو ارتفاع مستوى (حرية التعبير والنقد الثقافي)، والثاني (تحديات صدام الحضارات والتكامل الثقافي)؛ حيث بها تدفق كبير للمهاجرين، وثالثًا بسبب تنامي (المشاعر اليمينية المتطرفة والمعادية للمسلمين). ويرى التقرير أن من الواجب أن يكون التزام السويد بحقوق الإنسان والتنوع الثقافي حافزًا لتعزيز المشاركة المحترمة؛ حيث يمكن التعبير عن وجهات النظر المختلفة دون اللجوء إلى أعمال هجومية أو تحريضية.

الحاجة لتغيير الدستور

حول هذه الازدواجية والتناقضية بين رؤية الدستور السويدي وما حدث؛ نشرت دار (Alkompis) -وهي دار إعلامية تكتب الأخبار السويدية باللغة العربية- مقابلة لها مع الأستاذ الجامعي السويدي نيلس فونكه قال فيها: "في الدستور والقانون السويدي ما يسمح بانتقاد الأديان؛ ولكن لا يسمح بإهانة المجموعات العرقية، ولكن يمكن حرق المصحف مثلما يسمح بحرق العلم السويدي مثلًا. وبعكس فنلندا التي تحرم الإساءة للكتب الدينية، عندنا في السويد بَقِيَ الأمر مجرد مقترحات أولية. تعديل الدستور يتطلب أغلبية برلمانية".

ويضيف "فونكه": يطلب فقط من الشرطة التأكد من عدم الإساءة للنظام. لا ينظر لنوايا المتظاهر. ويمكن حرق المصحف والعلم السويدي حتى. ويمكن حرق علم "المثليين"؛ ولكن يجب النظر أيضًا في أي سياق يتم حرق العلم، وما الذي سيقال في نفس الوقت الذي يتم فيه الحرق. لأنه يمكن اعتبار الحرق جريمة حسب السياق والأقوال.

وحسب تفسير الموقع لحديث "فونكه" فهو يرى أيضًا أن معاناة العديد من المسلمين في السويد اليوم من الإسلاموفوبيا؛ يتم فيه "استغلال قانون حرية التعبير من أجل نزع صفة الإنسانية عن المسلمين".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org