ظلت السعودية على مدار العقود الماضية تعاني من استمرار مشكلة تسلل أعداد من مجهولي الهوية عبر حدودها، وإقامتهم فيها بشكل غير نظامي، وارتكابهم العديد من الجرائم بسبب تركيزهم على اكتساب المال بأي وسيلة متاحة، وفي أسرع وقت ممكن. لا يردعهم وازع، ولا توقفهم وسيلة.. فالكثير منهم من معتادي الإجرام والخارجين على القانون، الذين يمتهنون تهريب وترويج المخدرات والأسلحة والخمور والعملات المزيفة.. وغيرها.
هذه المشكلة العويصة ظلت هاجسًا يؤرق أجهزة الأمن التي تجد صعوبة كبيرة في متابعتهم أو ملاحقتهم لعدم وجود بيانات عن هوياتهم وأشخاصهم.
ومع أن مخالفة نظام الإقامة والعمل من الجرائم التي توجب العقاب، وتوقع صاحبها تحت المساءلة القانونية، إلا أن التسلل جريمة أشد خطورة على الأمن القومي؛ لأن مَن يرتكبون الجريمة الأولى على الأقل موجودة أسماؤهم في السجلات الرسمية مع بصماتهم التي تتيح تعقُّبهم وسهولة ضبطهم عند الضرورة.. إلا أن المتسللين هم أشباح غير مرئية؛ تحتاج مهمة متابعتها في كثير من الأحيان إلى جهود ضخمة.
وبسبب الوجود غير الشرعي لهذه الشريحة فإن أفرادها يلجؤون في العادة إلى الإقامة في سفوح الجبال، أو الأماكن شديدة الوعورة، وفي بيئات قاسية؛ تجعل ملاحقتهم مهمة بالغة الصعوبة. كما يعمدون خلال محاولات الفرار من القوات الأمنية إلى إشعال النيران في الغابات، وافتعال الحرائق التي تلتهم كميات كبيرة من الأشجار؛ وهو ما يتسبب في خسائر بيئية ضخمة، وإشغال الأجهزة المختصة بمحاربة الحرائق.
ورغم إدراك الجميع خطورة هذه الشريحة، وما تُشكِّله من خطر، إلا أن بعض ضعاف النفوس ارتضوا مشاركتها جريمتها الشنيعة؛ وذلك عبر محاولة تهريب أفرادها من مدينة إلى أخرى، بحيل وأساليب شيطانية نظير مبالغ مالية، مهما بلغت أرقامها إلا أنها تظل زهيدة إذا ما قورنت بالخطر الذي تمثله على الوطن ومكتسباته، وعلى المواطن وسلامته.
وخلال الظرف الأمني الذي تعيشه بلادنا بوجود جماعة الحوثيين الانقلابية، وما تمارسه من محاولات اعتداء على المدنيين في القرى والمدن الحدودية، فإن جريمة نقل المتسللين يتعاظم أثرها، ويتضاعف خطرها؛ لأن كثيرًا منهم ليسوا مجرد فقراء يحتاجون إلى العمل، أو متسولين يبحثون عن لقمة العيش كما يعتقد بعض السذج، بل هم جواسيس، يعملون مع الميليشيات الإرهابية، ويسعون بشتى الطرق إلى إرسال إحداثيات عن مواقع محددة بقصد استهدافها.
لا تقتصر المخاطر الناجمة عن وجود المتسللين على ذلك؛ فهناك احتمال كبير أن يكونوا ناقلين أمراضًا قد لا يعلمون هم أنفسهم بإصابتهم بها. ففي هذا الظرف الذي تفشت فيه الأمراض المعدية، مثل كورونا، وما تتطلبه جهود احتواء الفيروس من إجراءات احترازية صارمة، ينبغي التعامل مع أولئك المجهولين على أنهم خطر يهدد النجاحات التي تحققت؛ لأن غالبيتهم قَدِموا من دول تكثر فيها الأمراض المعدية، وتنعدم فيها قواعد الوقاية والرعاية الصحية.
وفي ظل الاهتمام العالمي بمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، وتوقيع السعودية على اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة تتصدى لها، لا ينبغي أن ننسى كذلك أنه قد يكون بين هؤلاء المتسللين ضحايا، اضطرتهم الظروف القاسية في بلدانهم إلى الوقوع تحت رحمة عصابات امتهنت المتاجرة في أرواح الناس ومصائرهم وسلامتهم؛ فيأخذون أعدادًا كبيرة منهم عبر دروب قاسية ووعرة لتهريبهم إلى الدول الأخرى؛ لذلك فإن وضع حد لتلك التجارة المحرَّمة يتطلب عدم التساهل مع الأطراف كافة المشاركة فيها.
لكل ما سبق فإن المصلحة العامة تتطلب أكبر قدر من اليقظة والانتباه؛ فلا يكفي إحسان الظن بالآخرين والتعاطف معهم قبل أن نتأكد من حقيقتهم؛ فمصائر الدول ومصالحها العليا لا ينبغي أن تتعرض للخطر مهما كانت الأسباب والمبررات؛ فالمكتسبات التي حققتها بلادنا على مدار السنوات الماضية لم تتحقق إلا بعد جهود مضنية، والشوط الذي قطعناه في سبيل تحجيم خطورة فيروس كورونا يشارف على الانتهاء.
وإدراكًا منها للأخطار التي تترتب على وجود هؤلاء المجهولين سارعت الدولة إلى تشديد عقوبة نقلهم وإيوائهم وتشغيلهم، وجعلتها من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، والمخلة بالشرف والأمانة؛ وهذا سوف يؤدي بالتأكيد إلى التصدي لأولئك الذين اعتادوا المخاطرة بسلامة بلادهم مقابل المال الحرام، حتى وإن كان ملوثًا بدماء الأبرياء وعرق البؤساء.