
منذ عقود مضت، والعلاقات السعودية ـ البحرينية تحظى بمزيدٍ من التقارب والمحبة والتآخي، كما ارتبط شعبا البلدين اجتماعياً سبق شعوب المنطقة، وهو ما يعزز أهمية الوحدة والمصير المشترك في كافة القضايا الإقليمية والدولية.
وبحكم عوامل تاريخية واجتماعية، تزداد العلاقات بين البلدين رسوخاً ولا تزال، فهناك روابط في التكوين الديموغرافي بين السعودية والبحرين، خاصة مع المنطقة الشرقية من السعودية، بحكم التجاور المكاني، فالعامل الديموغرافي يلعب دوراً كبيراً في هذه العلاقات الراسخة، وهناك الروابط الأسرية وعلاقات المصاهرة بين الأسر، التي تتصل بروابط القربى بين الشعبين السعودي والبحريني، بحيث أصبحا يمثلان كياناً اجتماعياً واحداً، ورغم أنه ليس بالجديد، لكن تطور الأوضاع في المنطقة ارتقى بالعلاقة بينهما.
ومن حيث العلاقات الاقتصادية؛ فقبل حقبة النفط، كانت هناك روابط تجارية بين الدولتين، وكان كثير من البحرينيين والسعوديين يعملون في مجال التجارة بين البلدين، وفي مرحلة النفط أصبحت نسبة كبيرة من النفط السعودي يجري تكريرها في مصفاة البحرين، وعندما جرى إنشاء جسر الملك فهد ازدادت الروابط التجارية والاجتماعية بين البلدين.
وأصبحت هناك شركات وبنوك ومشاريع اقتصادية مشتركة بين الدولتين، ونشطت التجارة البينية بينهما، وأصبح هناك شبه سوق مشتركة بين البلدين، وتبع ذلك زيادة في مجال الاستثمار البشري والاقتصادي والعمراني بين البلدين، ولسهولة التنقل بين البلدين، وقرب المسافة بينهما، أصبح هناك كثير من الطلبة السعوديين يدرسون في الجامعات الخاصة في البحرين، وكثير من البحرينيين الذين يشغلون مراكز في البحرين هم من خريجي الجامعات السعودية، قبل أن يتم افتتاح جامعات في البحرين.
في خطوة مهمة رسخت العلاقات بين الرياض والمنامة، قررَّ مجلس الوزراء في السعودية، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتحديداً في أكتوبر من العام 2020م التباحث مع مملكة البحرين لرفع مستوى التمثيل في مجلس التنسيق السعودي البحريني، وتحقيق التكامل الثنائي بين البلدين، ليشمل كل المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية والعسكرية والأمنية، ومتابعة مراحل العمل في جميع المشاريع والمبادرات المشتركة.
وأثمر التباحث عن ميلاد مجلس التنسيق السعودي ـ البحريني، الذي يعتبر خطوة عملية نحو الاتحاد الخليجي، وعنوانًا جديدًا لعمق العلاقات الخاصة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، ونموذجًا للعلاقات الأخوية التاريخية التي تجمعهما على مر العصور، التي أثبتت متانتها وقوتها، رغم كل ما مرَّ ويمرّ بالمنطقة من مخاطر محدقة وأطماع مستمرة.
وتنعكس رئاسة ولاية العهد في البلدين للمجلس التنسيقي على مسار العلاقات القائمة، وتعزيز التعاون الثنائي، لما لدى صاحبي السمو من رؤية عصرية طموحة، تواكب الحاضر وتخطط بحكمة بالغة للمستقبل المشرق للأجيال القادمة، من خلال تحقيق المزيد من فرص النجاح والنماء والازدهار الذي سينعكس إيجابيًا على تثبيت الأمن والاستقرار في البلدين، مما يساعد على أن يكون مجلس التعاون سدًا منيعًا أمام التهديدات و الأطماع والمؤامرات الإقليمية والدولية.
ومن أولويات وأهداف المجلس التنسيقي هو زيادة التنسيق والتكامل الاقتصادي والتجاري بين السعودية والبحرين، وتشجيع حركة التنقل بين المواطنين بأحدث طرق التنقل والمواصلات والآليات الحديثة، وإلغاء القوانين والأنظمة التي تعطِّل الحركة بين الجانبين، ما يساعد على تسهيل السفر بينهما من خلال المعابر البرية والجوية والبحرية، وفتح فرص جديدة للاستثمار لتعزيز المواطنة وتمكينها من أجل قيام كيان اقتصادي متكامل، يعود بالنفع على مواطني البلدين، ويرفع من مستوى المعيشة ويزيد من فرص العمل ويقضى على البطالة.
كما إن التعامل الإيجابي الفعَّال مع المحيط الخليجي والعربي يُعَدّ ضرورة ملحّة جداً لبناء شراكة استراتيجية متعدِّدة على مختلف المستويات، بحيث تصبح مصدر قوة وعمقاً استراتيجياً، وليست مصدرًا للتحدّي والتهديدات، وذلك من خلال وضع رؤية شفافة، للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني والدفاعي وفقاً لظروف كل دولة وبما يحقق مصالح كافة الأطراف في المنطقة.