لا أعتقد أن هناك عاقلاً يمكن أن يقلل من حجم وأهمية العمل الجبار والمضني بكل ما تعنيه الكلمة، الذي تقوم به "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وما صدر عن مجلس الوزراء من تنظيم لعمل الهيئة،يربطها مباشرة برجال الأمن، من حيث تقديم بلاغات رسمية؛ لكي تكون هناك وحدات أمن من الشرطة أو غيرها؛ لتكون جنبًا إلى جنب مع رجال الهيئة، سوف يحقق - بعون الله تعالى - التكامل في العمل والأداء الوظيفي للهيئة. علمًا بأن الهيئة فيما سبق لم تكن تقدم على مداهمة بيوت مشبوهة أو استراحات أو معامل خمور بدون الحصول على أمر مداهمة من الشرطة، وهذا الأمر هو المطلوب؛ لأن من الممكن أن يوجد في هذه الأماكن من هو مسلح؛ وبالتالي لا يستطيع رجال الهيئة التعامل معهم.
وبالعودة للتنظيم الجديد، وقد أصبح لزامًا أن يرتبط بعمل الهيئة في كل ما تلحظه أو تراقبه، فإنه يرتب على تنفيذ القرار جملة من الأولويات والإجراءات الأولية التي يجب أن تكون حاضرة قبل تراكم الأمور وتنامي المشاكل بسبب تعطيل البلاغات، وهو أمر متوقع؛ فعمل الهيئة يجري على مدى الأربع والعشرين ساعة؛ وهو ما يتطلب أن تكون هناك مراكز دوريات على أُهبة الاستعداد؛ لكي تلبي أي طلب عاجل من رجال الحسبة؛ إذتكون هذه المراكز موزعة بشكل عادل على جميع المناطق التي تعمل فيها الهيئة بشكل يجعل الأحياء مغطاة أمنيًّا بالكامل؛ فلا يستقيم أن يقوم رجال الهيئة بضبط مخالفة ما وتتطلب التعامل معها فوريًّا، ويكون العائق الذهاب لمركز الشرطة وتقديم بلاغ بذلك؛ فهنا ينتفي الهدف من عمل الهيئة، وهذا يتطلب أن تُخصَّص قناة على نظام اللاسلكي الخاص بالشُّرَط؛ لكي يتم التواصل عن طريقه بين رجال الهيئة ومراكز الشُّرَط التي تحدثنا عنها سابقًا.
وبالنسبة للأسواق فإن الحل الأمثل لها أن يُلحَق بكل سوق مكتب شرطة، ومن خلاله يستطيع رجال الحسبة استدعاء الدورية الأمنية في أية لحظة تكون فيها مخالفة، أو وضع يتطلب حضورًا فوريًّا لرجال الأمن.
كما أقترح أن تكون هناك دوريات لرجال الحسبة من شأنها الإبلاغ عن المخالفات الأخرى المتعلقة بالأمانات؛ فلا يخفى على كل ذي لب أن هناك حفريات منسية، وتلاعبًا كبيرًا من قِبل شركات النظافة في أداء مهماتها الموكلة إليها، والانهيارات الأسفلتية، وتعطل إشارات المرور، وكل مخالفة تصادفها الهيئة أثناء تأديتها عملها.. ولا أعتقد أن هناك من هو أكثر حرصًا من رجال الهيئة في الإبلاغ عن مثل هذه المخالفات، وخصوصًا أن هذه المخالفات مما يدخل في باب الأمربالمعروف والنهي عن المنكر.
وأعلم أن هناك الكثير من الأمور التي سوف تستجد، وسوف يتطلب إضافتها أو تطويرها؛ لتحقق التكامل في العمل بين الهيئة والأجهزة الأمنية المعنية، وهذا لن يتم بدون التقييم المستمر للأداء، ووضع كل الإمكانات التي تجعل من عمل الهيئة عملاً يليق برجال الحسبة، وفي الوقت نفسه تضمن للمجتمع أن يتحقق له الأمنالبدني والنفسي والفكري والاجتماعي، وفي الوقت نفسه تحاصر المنكر في كل مكان يظهر فيه، وتقضي عليه، وتجفف منابعه، وتعرِّي كل من يريد بهذا المجتمع انفلاتًا - لا قدر الله -، رجاءً وتطلعًا للوصول إلى خيرية وسماح هذه الأمة التي وصفها رب العزة والجلال في محكم التنزيل بهذا الوصف الجميل:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} آل عمران الآية 110.
فهنيئًا لأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الشرف العظيم، وسنكون جميعًا عونًا ومساعدًا للهيئة وعيونها التي لا تنام. فبارك الله فيها، وشد الله أزرها ببواسل رجال الأمن؛ ليكونوا جميعًا عونًا على نشر وبيان الحق وفضله، ودحر الباطل وأهله. والله من وراء القصد.