نقل المهتم بتاريخ جُدة خالد بن صلاح أبو الجدائل قصة دخول المستشرق تاميزيه وصديقه إدوار كومب لمدينة جُدة عام 1250هـ/ 1835م، وأقام فيها مدة "4" أشهر، وذلك على هامش رحلته الاستكشافية لبعض مناطق الجزيرة العربية.
وقال "أبو الجدائل": إن مدينة جدة كانت وما تزال محل اهتمام الرحالة والمستشرقين الذين زاروها على مر التاريخ ونقلوا لنا مشاهداتهم.
ونقل أبو الجدائل ما دوّنه الرحالة في مذكراته اليومية عن الحياة الاجتماعية بمدينة جُدة، فوصف أسواقها وحوانيتها وطرقاتها ومبانيها وسكانها ولباسهم وطبيعة أعمالهم، وميناءها وسورها، وتحدث عن أبوابها التي على الناحية البحرية وعلى النواحي البرية، والخندق المائي الذي كان يحيط بها، ومساجدها والمقاهي، ووصف حال مطاعمها.
وأضاف: حرص المستشرق تاميزيه وصديقه على البقاء بجدة حتى يتم لهما تسجيل ملاحظتهما عن حال المسلمين في شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، وما يصاحب هذا العيد من حفلات.
وبين أن من أبرز ما دون في مذكراته عن رمضان التي نشرت وترجمت فيما بعد.
يصوم المسلمون خلال هذا الشهر من وقت طلوع الشمس إلى غيابها "الأدق والأصح من وقت أذان الفجر حتى أذان المغرب"، فهم يقضون نهارهم في شبه عزلة، ويمتنعون خلال هذه الساعات عن الأكل والشرب والتدخين ولا يقربون نساءهم، ولشدة حرارة الجو يحرص المسلمون على تفادي العمل الذي قد يؤدي إلى التعب والإرهاق.
ولاحظ الرحالة أن الأسواق مغلقة كما هو الحال للمقاهي الشعبية، فالحركة في نهار رمضان في جُدة قليلة جدًّا، تقتصر الحركة على بعض الأعمال التي يقوم بها الفقراء المضطرون للعمل لكسب قوت يومهم.
وتعود مدينة جُدة إلى النشاط والحركة بعد غياب الشمس، كان هذا حال المسلمين المقيمين في جُدة طوال شهر رمضان.
ومع ثبوت رؤية هلال شهر شوال بدأت المدافع في إطلاق أعيرتها معلنة نهاية رمضان وثبوت رؤية هلال شهر الفطر، ويتم تنظيف ورشّ شوارع وطرقات جدة وتهيئة ميادينها لإقامة الاحتفالات التي تستمر لمدة "٤" أيام.
وخلال أيام العيد تتمتع المرأة في جُدة بقسط وافر من الحرية؛ إذ بوسعها أن تغادر منزلها وهي في أجمل حللها الشرقية، فتقوم بالزيارات وتخرج متنزهة في شوارع المدينة، وتذهب إلى ساحة المدينة؛ حيث تقام الألعاب وتغص هذه الساحة الرئيسية بالنساء وهن آتين خاصة لمشاهدة الرقص الشعبي ورؤية الألعاب، والمشاركة فيها أحيانًا؛ إذ من النساء يركبن المريحات "المراجيح" ويجلسن على أسرة الأرجوحات.
أعتقد الساحة التي كانت تقام فيها احتفالات العيد ويقصدها المستشرق تاميزيه هي ساحة كدة عواد، وهي الساحة الخالية التي كانت أمام مدرسة الفلاح من الناحية الغربية قبل تشييد العديد من المباني في بعض جوانبها.