إشاعة ثم نفي.. مَنْ المستفيد؟

إشاعة ثم نفي.. مَنْ المستفيد؟
تم النشر في

تنطلق وحسب! دون أن نعرف منشأها، ولا مطلقها، ولا المستفيد منها! منصتها مجهولة، أشبه بالوهم، لكنها تبدو وكأنها غارقة في الحقيقة؛ فيغرق في مستنقعها الكثيرون، وتنطلي علينا فنصدقها.. حتى إذا أخذت الكثير من وقتنا وكتاباتنا واحتجاجاتنا تختفي فجأة لأي سبب، كأن ينبري (أخيرًا) من هو في موقع المسؤولية فينفيها، لكن بعد أن تكون تغلغلت في المجتمع، وكادت تصبح حقيقة! ربما لأنها طُرحت بطريقة مُحكمة عارفة بنفسيات الناس وطرق تقبلهم، وربما لأنهم على استعداد لتلقيها، ولاسيما في الأوقات الحرجة، أو أوقات الأزمات؛ فيتقبلها الناس حتى من يملك الحكمة للتشكيك فيها بدعوى (وإذا كانت صدقا؟!).

وهكذا ينشغل الناس بالزيف، ويزيده الغموض وعدم الوضوح صمت المسؤول مدة طويلة! (وكأن هذا المسؤول ليس أحدنا يملك جوالاً يطير به في الأصقاع، ويقرأ ما يقرؤه عامة الناس! وكأن ليس لديه إدارة كاملة، تُعنى بمثل هذا الجانب الإعلامي!)؛ فيصبح الزيف أكثر تأثيرًا ومصداقية! وربما اتكأ على حقيقة صغيرة، ثم تتدحرج كرة الثلج؛ لينتهي إلى كذبة كبيرة، ومن ثم تدخل في جملة الرأي العام! كما أنها لم تعد تقف عند مجموعة معينة من الناس، أو طبقة محددة، ولا ترتبط بمستوى التعليم أو حتى الوعي، ولا العمر أيضًا..

هذه إشاعات هذا الزمان، خاصة التي ترتبط بقرارات مؤثرة في حياة الناس ورزقهم، والتي ضخمتها وسائل التواصل الاجتماعي، وجعلتها أكثر احترافية، وخبثًا (إن جاز لي التعبير)؛ فصارت أسرع وصولاً وأشد تأثيرًا حتى لو لم تشاهد قائلها وقد احمرّ وجهه حماسة، وعقد إبهامه وسبابته وهو يفرد بقية أصابعه ويلفها مرات عدة في الهواء مؤكدًا حالفًا أن ما يقوله حقيقة!! وتأمل نفسك حين تعتدل في جلستك موقنًا بما تسمعه أو تقرؤه، وربما تنتأ آهة حرى من أعماقك، تزفرها بالكثير من الضعف!!

ومع هذه الوسائل الحديثة (وأشدها الواتس آب وتويتر) يكون ذلك أقرب للحقيقة، وأكثر احترافية.. فيكفي أن ينشئ أحدهم وسمًا جاذبًا لتتلقفه التغريدات، وكذا مجموعات الواتس آب، ثم تأمل ردات الفعل، وقس الرأي العام!!

يمكننا أن نحكي عن ماكينات الخياطة قديمًا، أو المساس برواتب المعلمين حديثًا، مرورًا برفع الدعم عن الخبز!! ولو عددنا النماذج المؤثرة لما كفانا مقالة واحدة حتى لو كانت عبر "سبق"!!

لكننا نبحث عن سبل محاربتها في عقولنا وأقلامنا، ودحضها منذ بدايتها؛ حتى لا تكون بالونة اختبار تقيس مدى تقبُّلنا، ومدى علمنا أو جهلنا! نبحث عن حماية ولو بنسبة معينة؛ حتى لا نقع في قرارات خاطئة تبعًا لقرار غير حقيقي!

كما أننا لا نلقي اللوم على الناس وهم يرتعبون من أي شيء، من أي كلمة شاعت، وحملت خبرًا سيئًا أو حتى مفرحًا، من أي تصرف أو التفاتة من مسؤول أو مدير أو وزير (لا أعني بعض الإشاعات التي تحرف الحقائق الواضحة الناصعة تمامًا، والتي لا تقبل التشكيك، أو ليس لها تأثير حقيقي على المجتمع).

ما أعنيه من إشاعات تلك التي توهن أكثر، وتزرع قلقًا لا ينفع معه اجترار (التطمين) والنفي البطيء!! تلك التي يتبعها شهقة استغراب وزفرة ألم وحوقلة لا تنقطع! ما يتعلق برزق الناس وفواتيرهم، والبيوت التي لم يملكوها بعد، والعلاج الذي لم يُتَح لهم حتى الآن، والوظائف التي شحت عليهم وعلى أبنائهم.. لا تجعلوا للإشاعة مرتعًا خصبًا بين الناس، وقولوا الحقيقة ولو كانت مُرّة!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org