أشعر بأن الحديث إليك سهلٌ جدًّا، ولا يحتاج إلى جسور، تستخدم السجادات الحمراء، أو مفردات التطبيل بقدوم فارس جديد.. تأكدت من ذلك عندما اطلعت تفصيليًّا على سيرتك الذاتية من مصادر مختلفة محلية ودوليًّا، وبدا واضحًا لي ولغيري أن منطق الأشياء هو السمة التي تغلب على شخصيتك. ودعني أقولها بشكل مباشر وحقيقي: إعلامنا في أمسّ الحاجة إلى التغيير، وأنت تقرأ وترى وتطلع وتراقب كما نفعل جميعًا، وتعرف أننا فعلاً نحتاج إلى أن نعبر إلى المستقبل في إعلام بلادنا؛ لنتجاوز 814 يومًا، أفقدتنا الكثير والكثير، وجعلتنا مثار الضحك والاستهزاء؛ ولذلك فولاة الأمر لم يقبلوا باستمرار ذلك، وليته كان ذلك فقط، بل إننا تأخرنا عن كل يوم ألف يوم؛ ويحتاج إعلامنا الآن إلى خارطة طريق واقعية ومنطقية، تليق بكون بلادنا من أكبر اقتصاديات العالم، ومع ما تعيشه بلادنا في حربها وسلمها؛ فلا ينكر أحد أن إعلامنا في أزمة، وطيورنا تهاجر كل يوم.
تطوير هيئة الإذاعة والتلفزيون
علينا التسليم بحقيقة تاريخية، هي أنه لم يتم إقرار أي مشروع لتطوير التلفزيون منذ تأسيسه 1386/ 1967 حتى هذه اللحظة التي تقرأ فيها المقال. العالم يتغير ويتحول سريعًا..
نحتاج وبشكل سريع إلى بناء استراتيجية حقيقية وواقعية لهيئة الإذاعة والتلفزيون، تترجم رؤية المستقبل (باقتناص) قرار ملكي سامٍ لمشروع تطوير الإذاعة والتلفزيون، يليق ببلادنا ومليكنا وسمعتنا الدولية؛ فدون استراتيجية لتطوير المحتوى لن يكون هناك أي تقدُّم أو نجاح يليق بتلفزيوننا، وأنت خير من يعلم أن التطوير يحتاج إلى استثمار مالي حقيقي، يتوازى مع سمعة بلادنا وقوتها وحجمها الدولي.. يحتاج تلفزيوننا الوطني إلى خريطة برامجية جاذبة، تنقل الشباب من التخييم في "الفراغ المؤذي" إلى الترفيه المعتدل في تلفزيونه المحلي (صوت وطنه الأول). قبل سنوات تعرفها أنت، ويعرفها جيلنا كله، كان التلفزيون السعودي مصدر سعادة لنا جميعًا، وكانت جميع عواصم الإنتاج العربية (الكويت، مصر وسوريا) تقوم بالإنتاج حسب المواصفات المحافظة والمعتدلة التي يتبناها التلفزيون السعودي للأسرة السعودية، بل كان ذلك سببًا في حماية الأسرة العربية أيضًا.. (هذه قوتنا) في تلك الفترة. لم تكن الغريزة هي أساس الصناعة التلفزيونية، إنما الإبداع وفق القيم والأخلاق، حتى رأينا أعمالاً خالدة في ذلك الزمن؛ وكان ذلك لأننا وبصراحة متناهية كنا أكثر من يدفع، والآن نحن أقل من يدفع، بل نحن لا ندفع أصلاً. مواصفاتنا المعتدلة نحتاج إلى أن نصمم لها إنتاجًا محليًّا مستمرًّا بامتياز، يركز على الإبداع والمجتمع.
هيئة مستقلة للإعلام الخارجي
الإعلام الخارجي صوتنا إلى العالم، وربما آن الأوان أن يتحول إلى هيئة مستقلة تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام. من المهم أن يكون لدينا صناعة لصورتنا في الخارج. وهو ليس قرارًا اختياريًّا، إنما هو حاجة سيادية ماسة؛ فنحن قِبلة المسلمين؛ وعلينا التعاون مع شركات عملاقة في صناعة الرأي العام والعلاقات العامة، وجماعات من الضغط، ولاعبين مؤثرين في المجتمع الدولي، يدركون كيف يمكن صناعة العلامة التجارية لدولة خارج محيطها الجغرافي.. شئنا أم أبينا نحن مسؤولون أمام العالم كله أن نقول مثلاً إن "داعش" لا تمثل الإسلام. ليس عدلاً أن يكون الإعلام الخارجي دوره الآن مناط فقط بالأدوار البروتوكولية، أو بالسماح لقناة أجنبية بأن تصور في المملكة، فيزكيها لدى المباحث، مع أن منع أي قناة أن تصور داخل شوارع المملكة أصبح ضربًا من الوهم. ما نحتاج إليه الآن أن يكون هناك استراتيجية أكثر عمقًا، صادرة من كيان مؤسساتي ذكي بعد مراحل بحث ونقاش مركّز، يشرح كيف نريد أن تكون صورة بلادنا أمام العالم، وكيف نتعامل مع الأزمات لتحسين صورتنا، وكم سيكون رائعًا أن يكون مجلس الإدارة لمثل هذه الهيئة يملك تمثيلاً أكبر من وزارة الخارجية التي تتقاطع مع الإعلام الخارجي، شئنا أم أبينا في أشياء كثيرة. ولن ننكر أن الخارجية لديها تجارب تراكمية رائعة في العمل الإعلامي، تولتها الإدارة الإعلامية برئاسة السفير أسامة نقلي لسنوات طويلة، وما زالت.
هيئة المرئي والمسموع
تقوم هذه الهيئة بدور مميز في بناء اللوائح والتنظيمات التي تحمي صناعة الإعلام.. وقد بدأت مشروعًا مميزًا لمدينة إعلامية.. والرائع أنها بدأت بدراسة العوائق وفهم الاحتياجات وإعداد بيانات تفصيلية بالاحتياجات، واستقطبت لدراساتها أفضل وأهم بيوت الخبرة. وأعجبني كثيرًا مستوى التفاصيل العالية التي يتم التأسيس لحلها حتى تصبح لدينا مدينة إعلامية حقيقية، تحتاج إلى دعمك ومساندتك؛ لأن هذه المدينة نواة كبيرة لصناعة تلفزيونية كبيرة، يحتاج إليها شبابنا.
مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون
إن موظفي هذا المبنى العظيم هم أحبتنا وأساتذتنا وأبناؤنا وأصدقاؤنا وإخواننا وبناتنا منذ سنوات طويلة.. لقد تحول إلى كومة من الإحباط واليأس؛ ويحتاج ساكنوه إلى من يبث في قلوبهم وعقولهم الحب والأمل؛ فهم المبدعون الذين تم تخديرهم بقتل أحلامهم بصناعة التهميش والإقصاء. ونتذكر يا دكتور أنهم كانوا مفاتيح نجاحنا لسنوات طويلة.
الإنتاج البرامجي إلى القطاع الخاص
إن أكبر وأكثر القنوات نجاحًا في العالم هي التي أسندت مهمة الإنتاج البرامجي إلى الموهوبين في القطاع الخاص. فلدينا المئات من الشباب المبدع والمتعلم الذي يحتاج إلى الفرصة الحقيقية؛ ليرى الناس موهبته. ولن نذهب بعيدًا؛ فأنت جزء منا، وترى بعينيك كم من القنوات السعودية الناجحة والاحترافية على يوتيوب، التي تحقق أعلى المشاهدات دوليًّا.. وكل هذا بيد شباب سعودي موهوب، يريد أن يبدأ إبداعه الاستثماري الخاص، ويبقى للتلفزيون دوره الأصيل في تقييم المحتوى وإجازته والإشراف عليه.
الصناع
يحتاج القائمون على صناعة الإنتاج التلفزيوني بمختلف مجالاته إلى اجتماعات حقيقية للعصف والنقاش حتى وإن كانت لمرة واحدة في العام. وهذا سيكون بابًا كبيرًا، يساندكم لفهم المعضلات وحلها؛ فهم يا معالي الوزير صنَّاع إعلامنا التلفزيوني.
ونتمنى لمعاليكم كل نجاح وتوفيق