كتبتُ في المقال السابق عن معاناة أقلية الروهنغيا التي تتعرض لعمليات تطهير عرقي مقيتة على يد النظام الميانماري العنصري، وأشرت – ضمنًا - إلى أن السعودية لم تألُ جهدًا لنصرتهم، إلا أن ما أثير حول المقال السابق من آراء وتعليقات دفعني لإلحاقه بمقال، يحوي شواهد من الجهود التي بذلتها السعودية في هذا السياق، مؤكدًا في الوقت ذاته أننا نتطلع إلى مضاعفة تلك الجهود لإنهاء هذه الأزمة التي طال أمدها، وتفاقم وجعها.
سارت السعودية في إنهاء أزمة الروهنغيا في مسارين متوازيين ومكملين لبعضهما: المسار الأول يتمثل في دفع المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته تجاه هذه الأقلية، ووضع حد للانتهاكات الصارخة والنمطية التي تمارَس ضده من قِبل النظام الميانماري. ولا أبالغ حينما أقول إن السعودية من أولى الدول التي وضعت هذه القضية المؤرقة على طاولة المجتمع الدولي، وأنذرت مبكرًا من تفاقم الأزمة. وقد أثمرت جهود السعودية في هذا السياق وغيرها من الدول الإسلامية والعربية والدول الصديقة بجعل هذه القضية محور اهتمام دولي. ومن الشواهد المعاصرة لهذا الاهتمام صدور تقرير بعثة المفوضية السامية لحقوق لإنسان لبنغلاديش في فبراير 2017، الذي أشرت إليه في المقال السابق متضمنًا إدانات صريحة لحكومة ميانمار. وهذا له مؤداه في إطار المنتظم الدولي؛ إذ إنه من المتوقع تمديد ولاية المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في ميانمار التي تنتهي في مارس 2017م، وتصعيد القضية – في حال عدم تعاون حكومة ميانمار - إلى ما هو أبعد من الحيز الاستشاري الذي يشغله مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
أما المسار الثاني فهو المسار الداخلي، ويتمثل فيما قامت به السعودية من جهود تجاه الميانماريين في الداخل (الجالية البرماوية) الفارين بدينهم – كما وصفهم سمو أمير منطقة مكة المكرمة - والبالغ عددهم قرابة (250) ألفًا؛ إذ تم تصحيح أوضاعهم بمنحهم إقامات نظامية بدون رسوم، وتمكينهم من الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل لهم، وتحفيز الشركات والمؤسسات على توظيفهم. ويمثل هذا التدبير - في تقديري - ممارسة فضلى (Best Practice) في مجال حقوق الإنسان؛ باعتبار أنه يخرج عن نطاق التزامات السعودية بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وتنضم هذه التجربة إلى تجارب السعودية المتفردة في مجالات حقوق الإنسان المختلفة، كتجاربها الأخرى في مجال اللجوء، وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب وغيرها. ولا يفوتني أن أشيد بالجهود التي بذلتها الجهات المعنية في عمليات التصحيح المكلفة جهدًا ووقتًا ومالاً، وأخص بالذكر والشكر وزارة الداخلية وقطاعاتها، وإمارة منطقة مكة المكرمة التي حملت العبء الأكبر من هذه المهمة بمسؤولية واقتدار.