لا يخالجني الشك إطلاقًا في أن المملكة العربية السعودية تبذل جهودًا كبيرة وحثيثة لإنهاء معاناة الشعوب في البلدان المأزومة، خاصة البلدان الإسلامية والعربية.. وليس بغائب عنا ما بذلته من جهود لتخليص شعوب المنطقة من مخالب الاحتلال، والانقلابات، والأنظمة الاستبدادية الوحشية، فضلاً عما قدمته من عون لهذه الشعوب وغيرها في البلدان الأخرى. ويبدو لي أن السعودية مستعدة للتنازل عن مصالحها في إطار صداقاتها مع الدول المؤثرة في المجتمع الدولي؛ لوضع حد لمعاناة الشعوب الإسلامية والعربية، هذا إن لم تكن قد تنازلت عن بعض تلك المصالح لتحقيق هذا الهدف الإنساني.
ومع ذلك، فإن هناك أزمات ملحّة؛ تستوجب مضاعفة الجهود، والضغط على المجتمع الدولي بجميع الوسائل لإنهائها، كمعاناة شعب الروهينجا، الذي مورست عليه أبشع انتهاكات حقوق الإنسان بشكل ممنهج من قِبل نظام عنصري، لا يقل وحشية عن النازية والفاشية، إن لم يكن قد تجاوزهما!
ومن يشك في هذا التعبير الذي أراه قاصرًا عن وصف وحشية هذا النظام فما عليه إلا أن يقلب – على عجالة – صفحات التقرير الذي أصدرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن معاناة الروهينجا في ميانمار في 3 فبراير 2017م بعنوان (تقرير بعثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان لبنجلاديش " (Report of OHCHR mission to Bangladesh)؛ إذ ورد في التقرير أن قوات الأمن في ميانمار ارتكبت اغتصابات جماعية وجرائم قتل بحق شعب الروهينجا، بمن فيهم الأطفال الرضع! كما ارتكبت الضرب الوحشي والإخفاء، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في منطقة معزولة شمال مونغداو، شمال ولاية راخين؛ وذلك بناء على إفادات الضحايا الفارين عبر الحدود إلى بنجلاديش.
وبحسب التقرير، روت إحدى الأمهات أن ابنتها البالغة من العمر (5) سنوات كانت تحاول حمايتها من الاغتصاب؛ فأخرج رجل سكينًا، وقام بنحرها. كما رُوي للمحققين أن طفلة تبلغ من العمر (8) أشهر قُتلت، فيما اغتُصبت أمها من قِبل ضباط قوات الأمن. وبحسب العديد من الشهادات التي تم جمعها من أشخاص من مختلف القرى أكدت أن الجيش أشعل النيران عمدًا في منازل فيما كانت عائلات لا تزال بداخلها، وفي حالات أخرى دفع بأشخاص من الروهينجا إلى داخل منازل مشتعلة بالنيران، كما أن الجيش أو القرويين من سكان راخين قد حاصروا عائلة بأكملها، بما في ذلك أشخاص مسنون ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك في أحد المنازل، وأشعلوا فيه النيران؛، فقُتلوا جميعًا.
لا تتعجبوا! لم آتيكم إلا بشرارة من نيران الحقد التي تؤججها الكراهية التي تسكن النظام الميانماري أفرادًا ومؤسسات.. وهي عمليات تطهير بكل ما تحمله الكلمة من دلالة! وقد عبَّر المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين بمثل هذا التعبير.
لذلك نتمنى أن يكون هدف إنهاء معاناة شعب الروهينجا من الأولويات الملحّة في خطة الخارجية السعودية لعام 2017م، من خلال الحشد والضغط الدبلوماسيَّيْن على الدول المؤثرة، والآليات الدولية لحقوق الإنسان؛ وذلك لإرغام النظام الميانماري على الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والعمل على استصدار قرارات من مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان، تصب في هذا الهدف، وجعل معاناة الروهينجا بندًّا ثابتًا في بيانات السعودية التي تلقى في المحافل الدولية ذات العلاقة، وغير ذلك من الوسائل.