للشهرة بريق ولمعان يسطع أمام ضعاف النفوس فيستولي عليهم، ويُغري البعض فلا يستطيع تجاهله أو الابتعاد عنه؛ إلا مَن كان قوي الإرادة والشخصية، والذي يعرف قيمة نفسه وقدرها ومكانتها. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعية وقدرتها على منح الشهرة لبعض الناس بمن فيهم مَن لا يملكون الموهبة أو الخبرة أو أي شيء وذلك في غضون ثوان معدودة؛ فقد أصبح هناك مَن يلهث خلف الشهرة بمختلف الوسائل، ويسعى إلى كسبها بشتى الطرق؛ وذلك لعدة أسباب؛ منها: كسب المال، أو الحصول على الوجاهة، أو حب الظهور بين الناس، أو توجيه المدح والإطراء إليه، أو تغطية عيوبه. ورهان ذلك كله من خلال أسلوب قديم يتجدد كل يوم وهو مخالفة العُرف السائد.
الشهرة اليوم أصبحت داء العصر؛ إذ إنها لم تعد تبحث عن العلماء المتميزين، ولا عن المبدعين، ولا عن الأدباء أو المثقفين، ولا عن النخبة الذين يقدّمون للمجتمعات ما يفيدهم ويساهم في تطويرهم، ولا عن مَن يقدمون أرواحهم فداء للوطن ويكونون أنموذجاً في التضحية والبطولة، ولا عن مَن يساهمون في رفع علَم بلادهم خفاقاً في المسابقات الدولية بمختلف أنواعها؛ بل أصبحت الشهرة تبحث عن أصحاب الفتاوى الغريبة، أو المقالات المثيرة، أو البرامج ذات القضايا الشائكة والتي يختلف عليها العديد من فئات المجتمع، وتجدها تحتفي بالبرامج التي تقدّم أصحاب الآراء الشاذة، أو تلك التي تدعم بعض القضايا المشبوهة والتي تتضمن الكثير من التناقضات والانحرافات مع العقل والدين.
مجالات الشهرة أصبحت معروفة، ومواضيعُها أصبحت شائعة؛ ففي الجانب الديني يكفي أن تهاجم أصلاً من أصول الدين؛ لتحصل على الشهرة، وفي نفس الوقت يكفي أن تُصدر فتوى دينية غريبة لتحصل على الشهرة.. أما في مجال السياسة فيكفي أن تؤيد أحد الرؤساء المجرمين لتحصل على الشهرة، كما يكفي أن تُبرر بعض الأعمال الإرهابية لتكون من المشهورين؛ أما في المجال الفن فحدّث ولا حرج خصوصاً أولئك الذين يتسلقون سُلّم الشهرة من خلال إثارة العنصرية أو المشاهد الجنسية؛ وكل ذلك وغيره كثير من المجالات الغريبة والمخالفة للدين والعُرف والتقاليد والتي تجد صدى واسعاً لدى بعض وسائل الإعلام وبعض وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، والتي يساهم بعضها في الترويج لمثل هذه الحالات وإبرازها بشكل كبير.
الكثير اليوم أصبح هدفهم الشهرة ولكن على هؤلاء الراكضين خلف ذلك البريق أن يعرفوا أن هذا الطريق هو طريق محفوف بالمخاطر والفتن والمكائد، وهو طريق شائك يتمنى كثير من المشاهير لو لم يسلكوه؛ لأن حياة بعضهم تنقلب إلى جحيم، وقد ينتهي بهم المطاف مترددين على المحاكم أو خلف قضبان السجون أو في المستشفيات؛ وحينها سيندمون على تلك الشهرة، ويتمنون لو أنهم بقوا في الظل بعيداً عن الأضواء وبريق الشهرة.