لا بد لأي عملية إصلاح جذرية وشاملة أن يواكبها حراك ثقافي وتغيُّر سلوكي؛ حتى تترجم الإرادة الحكومية والقرار السيادي إلى واقع ملموس، وتفاعل شامل، يتكاتف فيه الجميع للوصول إلى الهدف المنشود والفائدة المرجوة.
إننا نعيش في عصر التحول الاقتصادي بمبادرات قيمة وجبارة من الدولة، ممثلة بالمجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة سمو ولي ولي العهد الأميرمحمد بن سلمان - وفقه الله -. وإن من الواجب علينا المشاركة بإيجابية؛ فليس المعني بها غيرنا، بل نحن وأبناؤنا ومستقبلنا.
في عالمنا نرى دولاً عظمى صناعية وأخرى نامية مضطرة إلى سياسة التقشف وفرض الضرائب وتسريح العمال من مواطنيها؛ لتواجه عجز الميزانية والأزمة الاقتصادية، بينما نحن في غنى عن ذلك - ولله الحمد والمنة -، وفي حال أفضل، وربما لا نحتاج لتلك الخطوات؛ إذ يكفيناإيقاف الهدر والإسراف والتبذير الذي أثقلنا به كواهلنا؛ وبالتالي نرى آثاره السلبية على مجتمعنا واقتصادنا.
لدينا ملفات مهمة؛ تحتاج علاجًا فوريًّا لوقف الهدر والإسراف والتبذير؛ حتى لا تُستنزف مواردنا؛ فلا يكون للإصلاح الاقتصادي معنى، ولا للتحول الوطني ذلك الهدف المنشود؛ إذ هي عملية مشتركة بين الدولة والمجتمع؛ لا تكتمل إلا بالتوافق نظريًّا وتطبيقًا.
إن هدر الطاقة والبترول ومشتقاته قد بلغ مستويات قياسية مقلقة، وله آثار اقتصادية وإنسانية وصحية سيئة على المجتمع والبيئة، فضلاً عن كونه يشكل عبئًا على ميزانية الدولة. وربما ساهم في ذلك رخص أسعارالبترول ومشتقاته، مع فقدان وسائل المواصلات والنقل العامة، وعدم رقيها لمعايير تنافسية جاذبة إن وُجدت.
كذلك الاتكالية المفرطة على العمالة الوافدة يدخل أيضًا في باب الهدر والإسراف؛ إذ يفتح ذلك أبوابًا لاستنزاف أموالنا مقابل أمور يمكننا القيام بها بشكل أو بآخر، أو تقليص الاعتماد على العمالة قدر الإمكان.
كما أننا بحاجة إلى التوعية وتثقيف المجتمع وبيان الفرق بين الكرم والتغذية الصحية من ناحية، والإسراف والتبذير من ناحية أخرى؛ فذلكأمر لا يحتاج إلى نقاش لإثباته؛ فالهدر الغذائي من الأمور التي نكاد نتفق عليها، ولا شك أن ذلك يستنزف أموالنا بشكل فظيع.
كذلك أمور أخرى يمكن إدراجها في هذا الصدد، نعاني فيها من الإسراف والتبذير والهدر، مثل مقدرات الوطن كالمياه، والبنى التحتية كالطرقات، وغيرها.
كل ما نحتاجه في هذا الصدد هو العمل بتعاليم ديننا الحنيف، وتقوى الله سبحانه بالتوقف عن الإسراف والتبذير. قال تعالى: ﴿... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. وإن الإسراف من كفران النِّعم، وعدم شكر الله جل وعلا. وبالشكر تدوم النِّعم.
وليكن للمنابر والمساجد والحراك الثقافي والمؤسسات الاجتماعية دور بارز ومكثف في التوعية بأضرار الهدر والإسراف والتبذير على ديننا ودنيانا.
كما أن فرض العقوبات على المسرفين والمبذرين والذين نراهم في وسائل التواصل الاجتماعي يمارسون أنواعًا من "الهياط"، والإنكار عليهم، سبب رادع - بإذن الله - إذا كنا لا نتمنى فرض ضرائب على المرافق والخدمات العامة كما هو متبع في أغلب دول العالم الصناعية والنامية التي تذهب ثلث مدخولات شعبها في الضرائب.
لقد كان لمسيرة التعليم في مملكتنا دور بارز وأثر واضح في التحوُّل الوطني على مدى عقود، وكان التعليم - ولا يزال - سببًا من أسبابترابط مجتمعنا، وتقويم سلوكياتنا إيجابًا؛ وعليه فإن مناهجنا التعليمية ومدارسنا مطالَبة بتنشئة أبنائنا على نبذ الإسراف والتبذير. علمًا بأن المسؤولية تقع على البيت والأسرة أولاً.
وبقيت الإشارة إلى أنه بالنظر إلى الإصلاحات الاقتصادية في الدول الصناعية والنامية، والخطوات المتبعة، نجد أن شعوب تلك الدول على اختلاف ألوانها وأعراقها وتوجهاتها تكون سبَّاقة إلى ما فيه مصلحتها الوطنية والمعيشية والاقتصادية؛ فيكون سلوكها عونًا لتلك الدول. ولو قلت إن أبرز ملامح الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها هو التقشف، والتوقف عن الإسراف والتبذير، والمحافظة على مقدرات الوطن والبنى التحتية، لكان ذلك محل اتفاق المختصين والمثقفين والقراء الكرام.