"الاعتداء الجنسي".. فيروس ينهش في جسد الأُسَر المفكَّكة

الرياض الأولى بنسبة 47 % وتتبعها جدة ثم الطائف فالدمام
"الاعتداء الجنسي".. فيروس ينهش في جسد الأُسَر المفكَّكة
تم النشر في

​"قارة": احتمالية إثبات الاعتداء تكون أكبر عند الكشف المبكر بعد الاعتداء
"حريري": هناك أسر ترفض التوجه للجهات الرسمية وتكتفي بعلاج ابنها نفسيًا
"خليفة": إهمال الأسر أوجد المتحرشين والمعتدين 
"الصنبع": المجتمع السعودي يعد "الاعتداء" فضيحة وعارًا

تثير قضية الاعتداء الجنسي في المجتمع السعودي الكثير من علامات الاستفهام، حتى أصبحت تثير المخاوف والهواجس داخل الأسرة، وخصوصًا مع زيادة نسبة الحالات. وعلى الرغم من شدة الآلام النفسية التي يتعرض لها المعتدى عليه إلا أنه ما زالت هناك أُسر تخاف من الفضيحة؛ وترفض التوجُّه إلى الجهات الرسمية؛ وتكتفي بعلاج ابنها نفسيًّا لمحو الآثار النفسية للاعتداء.
 
 وتلعب العادات والتقاليد دورًا كبيرًا في التكتم وعدم الإفصاح عن حالات التحرش والاعتداء. وشدد مختصون، تحدثت إليهم "سبق"، على ضرورة نشر الوعي المجتمعي والثقافة الحقوقية، مع العودة إلى الحصن التربوي، وتفعيل دور الأسرة في التربية، ودور المؤسسات التعليمية والاجتماعية.
 
  نِسَب وأرقام
 
أشارت إحصاءات وزارة الداخلية إلى أن منطقة الرياض تحتل المرتبة الأولى في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال المبلَّغ عنها في السعودية، بنسبة 47 %، ثم جدة، تليها الطائف، وتحتل الدمام المرتبة الرابعة محليًّا، إلا أن الفروقات بين المدن ربما لا تعكس إلا مدى قبول بعض الأُسر في المنطقة الأكثر حضرية بإبلاغ السلطات عن حوادث من هذا النوع.
 
 وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن من بين كل أربعة أطفال هناك طفل يتعرض للاعتداء أو التحرش في السعودية، وهو رقم صادم، لكنه واقعي، وقد أكدته أخيرًا مبادرة "كفى بي". وهناك دراسات أعلنت أن 61 % من حالات التحرش تكون من أحد أقرباء الطفل، أو ممن يرتبطون معهم بعلاقات عائلية. كما أن 62 % رفضوا الإفصاح عن الأشخاص الذين تحرشوا بهم.
 
 وفي دراسة أُجريت حول إيذاء الأطفال لمنيرة بنت عبدالرحمن بيَّنت أن 49.23 % ممن هم في سن الـ14 من إجمالي عدد السكان السعوديين تعرضوا للتحرش.
 
 ثقافة العيب
 
 وكشف مدير الطب الشرعي بصحة المدينة المنورة، الدكتور محمد بسام قارة، أن هناك 144 حالة اعتداء تم الكشف عليها خلال 16 شهرًا، لافتًا إلى أن العدد ربما يكون أكثر، إلا أن هناك بعض المشاكل ما زالت تقف أمام بعضهم، وأهمها عدم الإبلاغ لتجنب الفضيحة؛ إذ يرون أن الكشف على المعتدى عليه جنسيًّا يُعدُّ عيبًا، كما أن نقص ثقافة الإبلاغ يُعدُّ من أكبر المشاكل التي تواجهنا. مؤكدًا أهمية الإسراع في الإبلاغ، والكشف على الحالة، والحفاظ على الملابس وعدم غسلها. وقال: "هناك حالات يتم الإبلاغ عنها، بيد أن عدم المعرفة والجهل بطريقة الحفاظ على الأدلة يكونان سببًا في فقدان حقها".
 
 وبسؤاله عن الفترة الزمنية التي يمكن فيها إثبات الاعتداء قبل أن تزول آثاره قال الدكتور قارة: "إن فرص إثبات الاعتداء تتناقص مع تقدم الوقت؛ فاحتمالية إثبات الاعتداء تكون أكبر عند الكشف المبكر بعد الاعتداء، وخصوصًا عند أخذ العينات اللازمة للتحري، وإثبات وجود التلوثات المنوية على المصاب أو الملابس".
 
 وأشار إلى أن "الاعتداء الجنسي قد يصاحبه إصابات عامة وموضعية، وهي مثل أي إصابة ستُشفى بمضي الوقت. فبالنسبة للكدمات التي قد تصاحب الاعتداء تشفى بين أسبوع إلى أسبوعين، أما الجروح والتمزقات فتُشفى خلال هذه المدة، مع بقاء أثرها كندبة دائمة، وعندها يتعذر على الطبيب الشرعي ربطها بالاعتداء. أما التمزق في غشاء البكارة فلا يلتئم طبعًا، ولكن بمرور هذه الفترة سيتعذر معرفة زمن حدوثه؛ وبالتالي تعذُّر ربطه بالاعتداء المفترض".
 
 وردًّا على استفسار حول نوعية الإصابات التي تأتي إلى الطب الشرعي أجاب: "يتم الكشف على مختلف أنواع الإصابات في مركز الطب الشرعي، منها السلبية غير المترافقة بأية إصابات، ومنها إصابات حديثة، وأخرى قديمة. وبالنسبة للطب الشرعي فلا يعالج نفسيًّا، ويمكن للطبيب الشرعي التوجيه بإحالة المصاب للفحص النفسي من قِبل المختصين".
 
 ورأى أن هناك زيادة في عدد الحالات المبلَّغ عنها مقارنة بما مضى؛ أرجعها إلى ازدياد الوعي وزيادة الثقة في القضاء والجهات القضائية؛ لكونها كفيلة بإثبات الحق ومعاقبة المعتدي.
 
 الإحساس بالخوف
 
 وعن الآثار النفسية التي يشعر بها المعتدى عليه جنسيًّا قالت استشارية نفسية في مركز الدكتورة مها حريري: "إن الطفل المعتدى عليه جنسيًّا يظهر عليه سلوك العزلة والاكتئاب، ويتحول سلوكه السابق إلى سلوك معاكس، ويتزايد الإحساس بالخوف، وتزيد الأعراض في حالة عدم التدخل العلاجي". موضحة أن الأطفال يعبِّرون عن مشاعرهم بالرسم، وهناك الكثير من الاختبارات توضح إذا كان الطفل تم الاعتداء عليه".
 
 ولفتت إلى أهمية مراعاة الأسرة لطريقة الحديث مع الشخص المعتدى عليه جنسيًّا؛ فيجب التعامل معه بشكل طبيعي دون المبالغة في اللوم أو الاهتمام، محذرة من عقاب الطفل، مع ضرورة شغل وقت فراغه، والسعي لتنمية مهاراته؛ حتى يستطيع الخروج من حالة العزلة، مع تأكيد أن ما حدث حادثة ومضت، وأن المجتمع يضم أناسًا طيبين وآخرين أشرارًا.
 
 
وبسؤالها عن تأثير الكشف الطبي على المعتدى عليه جنسيًّا أجابت: "من الأمور المؤلمة هي الكشف الطبي، وخصوصًا إذا كان على وعي بأن الهدف منه هو تلك المشكلة. ولا بد من اتباع طرق علمية حديثة للكشف العام، وليس الخاص".
 
 وتابعت حريري "إلى الآن ما زال هناك أُسر تخاف من الفضيحة؛ وترفض التوجُّه إلى الجهات الرسمية، وتكتفي بعلاج ابنها نفسيًّا لمحو الآثار النفسية للاعتداء الجنسي؛ إذ تلعب العادات والتقاليد دورًا كبيرًا في عدم الإفصاح بحالات التحرش والاعتداء".
 
 المتحرش والمعتدي
 
 وفرَّقت الباحثة في مجال التربية الجنسية الدكتورة هند خليفة بين المتحرش والمعتدي؛ إذ يكون التحرش عادة من شخص أكبر سنًّا من المتحرَّش به، وهو مثل اللص، لا ينظر إلى الطفل المحاط باهتمام، ولكن إلى المهمل؛ فيصطاده. مؤكدة أن إهمال الأُسر أوجد المتحرشين والمعتدين. أما الاعتداء فيقع على الصغير والكبير، وغالبًا ما يكون بالقهر واستخدام أسلحة. لافتة إلى أن تأثير الحدث لن يزول أو يُنسى، بيد أن آلامه تخف إذا استُخدم العلاج الصحيح.
 
 وعن الحالات التي تقوم بالتبليغ قالت "خليفة": "ما يأتي إلينا دائمًا يكون مدعومًا من أُمٍّ قوية، لم ترضَ لأبنائها هذا الوضع، ورأت أن الوقاية خير من العلاج. وعلى الأسرة أن تتعود على القيام بجلسات مصارحة مع أبنائهم، وتأكيدهم رفض التعدي على الجسم، والصراخ، وتبليغ الأهل، وعدم الخوف". معتبرة أنها معلومات أولية، ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن جميع الأطفال.
 
 منظومة التربية
 
 من جهة أخرى، رأى الأكاديمي والباحث الاجتماعي الدكتور إبراهيم بن حسين الصنبع أن "المجتمع السعودي بطبعه غير محب للإعلام، ولا لكشف مشاكله إعلاميًّا؛ باعتبار ذلك نوعًا من الفضيحة والعار للأسرة؛ ما يجعل الكثير عند وقوع أي اعتداء جنسي على أبنائه يلجأ للحل عن طريق الإصلاح الأسري".
 
 وعن البيئة التي ينتشر فيها الاعتداء اللاأخلاقي قال: "البيئة الأسرية المفكَّكة، التي يغيب عنها الرقابة داخل المؤسسات التعليمية. كما أن ترك الأطفال في الشارع مع أصحاب السوء يُعد بيئة سهلة للاعتداء الجنسي وغيره". لافتًا إلى أن "الثقة الزائدة والمبالَغ فيها بين الأسرة والأبناء قد تؤدي إلى وقوع الكثير من المشاكل".
 
 وأوضح أن "الأسرة هي صمام الأمان وحجر الأساس في منظومة التربية، التي تتضمن المؤسسات التعليمية والمجتمع المنضبط اجتماعيًّا. ووجود أي خلل في أي ركن من المنظومة يؤثر في الآخر". مناديًا بعودة الحصن التربوي الذي غاب عن مجتمعنا بغياب الأب وإهماله لأسرته، أو انفصاله عنهم، وترك كل المسؤولية للأم، وقال: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته..".
 
 وتابع: "غياب القدوة له دور كبير في انتشار تلك النماذج الشاذة في مجتمعنا". وتساءل: أين دور الأب الذي يسافر طوال الصيف للخارج، ويترك أبناءه في أيد الخادمة والسائق؟ وأي جيل تنتظرون عندما تصبح القدوة هي العمالة المنزلية؟!! متعجبًا من وجود رب أسرة تمر عليه أيام داخل منزله ولا يرى أبناءه، كل في غرفته يستقي معلوماته من الأجهزة الذكية التي تبث الجيد والسيئ!!
 
وختم حديثه بضرب مثل لنموذج إيجابي لأب يحرص على تعليم أبنائه القرآن، والذهاب للمسجد، وشرح تعاليم الدين الصحيحة دون عنف أو تطرف، والمشاركة مع الأبناء في الأنشطة الرياضية، وقال: "إذا وُجد هذا النموذج في كل منزل من الصِّغَر فسوف تختفي الكثير من الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع، ومنها الاعتداء الجنسي". 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org