التحول الوطني الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان، يعمل بدون قيود تاريخية كانت قد تراكمت في العقل الجمعي للسعوديين، وفي الأنظمة الإدارية الحاكمة لأمورنا.. يجب أن نذهب جميعاً إلى الدولة الوطنية، وليس الدولة القبلية، أو المناطقية، أو الطائفية. وأي إنسان يعيش بيننا سوف يكون واحداً منا دون أن يكون لذلك علاقة بـ"شجرة الدم" التي أعادت مجتمعات كثيرة إلى الوراء.
مشروع "الإقامة الخضراء" لا يمكن أن نشير إليه على أنه يشبه النموذج الأمريكي أو الأوروبي فقط؛ بل إنه يشبه الموديل الإسلامي قديماً، والذي كان يرحب بأي وافد من أي بقعة على وجه الأرض، يستوطن المدينة أو مكة ويصبح جزءاً من المنظومة دون مطالبة بـ"مدننة المدينة" أو "مكية مكة".
تاريخياً، هذه الطبيعة البشرية، وما تفعله أمريكا وأوروبا ليس من اختراعهم؛ إنما ممارسة طبيعية بشرية؛ استناداً إلى أسباب دينية أو اقتصادية أو عاطفية.. وبعد هذه الدوافع البشرية، تصبح الدولة المدنية فتية، ذكية، حيوية ومنتجة؛ لأنها لا تخضع لقانون "شجرة الدم".
ولو تأملنا الآية القرآنية: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، وحاولنا التقرب أكثر إلى المفهوم الإلهي لكلمة التعارف؛ فإنها لا تعني بالضرورة تفسيرات شكلية كأن نصافحهم باليد ونعرف المعلومات عنهم فقط؛ إنما المعنى المعرفي للتعارف يأخذ أبعاداً أعمق، وهو يمنح الطاقة الحقيقية لعمارة الأرض من قبل الإنسان؛ لذلك دائماً ما تكون الدول التي توسع مفهوم المواطنة والتعارف متقدمة أكثر من الدولة التي يغلب عليها المناطقية، أو شجرة الدم، أو الخصوصية.
عموماً، قرار "الجرين كارد"، هو أحد أشكال التحول الوطني الذي لا يعني بالضرورة زيادة العبء على السعوديين بإضافة مقيمين مدى الحياة؛ بل هو استثمار بشري واقتصادي في العقول والمواهب، وهذا أحد أهم أسرار نجاح الدول المتقدمة في العالم؛ بل إنه أيضاً إعادة توجيه الدفة نحو إنسانية الدولة ومفاهيهم حقيقية للمواطنة التي سوف تضمن بقاء الدولة تاريخياً، وتفوقها، وحيويتها، وانتعاشها الاقتصادي؛ لذلك فهذا القرار، أو أي قرار آخر في ملامحه تحولات هامة، يتطلب تكسير بعض القيود التاريخية التي جرّت معها قيوداً إدارية؛ لأن البنية التحتية للأنظمة والقوانين عليها أن تتحول أيضاً نحو التحول الوطني؛ فيكون القانون أو النظام -كما نحب أن نسميه في قاموسنا السعودي- منسجماً مع هذا التحول، ويكون هو ضابط حياتنا.. حينها سوف نجد خوفاً أقل من المرأة، وحقوقاً أكثر لها، ونجد أن المواطن لا يخشى "معاملة حكومية" ما دام أن هناك قانوناً يحميه.