تحدَّث الدكتور حسين بن عبدالرحمن العنقري، المحامي والمُحكّم في النزاعات العقارية، عن أزمة تطلُّ برأسها مع كل حالة وفاة لشخص ترك خلفه ميراثًا من مال وأصول، قليلة كانت أو كثيرة، مشيرًا إلى أن السنين تمضي تلو السنين والتركة لم تُقسَّم، وتبدأ معها خلافات وصراعات بين الورثة، لا التركة قُسمت، ولا النفوس اطمأنت، وليست القلوب سليمة.
وتعجَّب: كم من تركة كانت تُقدَّر بالملايين، ولسوء التصرف وطول المدة أصبحت بمئات الآلاف، وتتعثر بعض التركات بسبب فَقْد بعض الوثائق أو حيازة بعض الورثة، ثم لا تسأل عن السنين الضائعة حتى يوجد الحل.
وأضاف "العنقري": حال بعض الورثة "إن حكينا ندمنا وإن سكتنا قهر". وقضية التركات في السنوات الخمس الأخيرة تُقدَّر خسارتها سنويًّا بما بين 5 آلاف و7 آلاف ريال.
وعندما يتكرر الشيء في كل مرة بالطريقة نفسها، والأسلوب ذاته، ولا يوجد فارق إلا في الزمن بين قصير ومتوسط وطويل، وتجارب هنا وهنا، فكفى عملاً شاقًّا وجهدًا ضائعًا وفسادًا للمودة وقطعًا للرحم.. ندرك أن هناك خللاً جسيمًا وأخطاء واضحة في قسمة التركات، وكيفية التعامل معها، مع بالغ أهميتها وأثرها على الاقتصاد، والدورة المالية في المجتمع. وحتى ما استُحدث فيها من طرائق، وتجدُّد في الأساليب، إلا أن الخلل هو الخلل، وفوات المصلحة على الورثة جميعًا بحسن نية من بعضهم، أو بسوء نية.
ويقدِّم الدكتور حسين العنقري مقترحًا بوصفه مختصًّا في هذا المجال قائلاً: مع تولي عدد من التركات البسيطة والمعقدة، واطلاع على كثير من الأحكام فيها، نجد أن النهاية إلى التصفية الجبرية والحراسة القضائية في جميعها أو غالبها، ولكن بعد فوات الأوان وعدد من الخسائر في أعيان التركة، بل أصبحت عقارات التركات أقل سعرًا وأضعف رغبة لدى المشترين والمسوقين.
تابع: وهذا بيِّنٌ ظاهرٌ للجميع. والمقترح للعزيزة وزارة العدل، بمشاركة من وزارة الداخلية، أن يُسند الأمر بعد الوفاة بشكل مباشر، ودون طلب من الورثة، إلى هيئات خاصة، تقوم بعمل الإسناد والتصفية، مع اعتماد كامل على التسجيل الإلكتروني للديون والوصايا والأوقاف، وإشعار المجتمع بذلك حتى يتم الإعذار، ثم تقوم هذه الهيئة بإدارة المال أولاً، ثم تدرس الخيارات الممكنة مع المتخصصين والورثة حول التنمية والاستثمار أو القسمة ثانيًا، ومعالجة رغبة مَن أراد الخروج بالحلول الممكنة والخيارات المتيسرة ثالثًا، ويكون في تواصل مستمر مع هذه الهيئة دون بقية الورثة؛ حتى لا يفسد ودهم بسوء تصرُّف أحد الورثة أو تنازل بعضهم عن حقه من دون رغبة، وتكون السلطة القضائية محدودة في نوع من النزاعات التي ترد، ولكن لا تحول دون إدارة هذه الأموال أو قسمتها حال كانت جاهزة لذلك.
وختم حديثه لـ"سبق": المتأمل في كثير من قضايا التركة يجد أنها انتهت بهذه الحالة، ولكن بعد مدة طويلة من حكم الدرجة الأولى والاستئناف ومحكمة التنفيذ، ثم الإسناد والتصفية، وفي كل مرحلة إجراءات وأعمال وزمن مهدر.. فعلام نترك هذا المصير الحتمي لكثير من القضايا إلا قليلاً منها تتم برضا ويسر وسهولة، مع ما يعكر به صفو كثير من الأُسر وحرمان الورثة المستحقين لهذه الأموال، وحبسها عنهم، وجعلهم عرضة للفقر والحاجة والعوز مع أن لهم مالاً وعقارًا واستثمارًا، منعهم منه نظام أو حياء أو استغلال من عديم مروءة وأمانة. إنه مقترح ميسَّر للتطبيق؛ به تُحفظ الحقوق بزمن يسير، وجهد قليل.