كيف تقنع التأمينات الاجتماعية بأن التقاعد المبكر عند سن "الخمسين" أفضل لهم من الذين يكملون العمل حتى سن "الستين"؟ كيف تقنعهم بعد أن سوقوا استنتاجهم الخاطئ لجهات معنية عدة وللرأي العام؟ راتب الشخص الذي يبقى حتى سن "الستين" قبل التقاعد يرتفع 55 %، وخدمته تزيد 10 سنوات، وراتبه التقاعدي يرتفع إلى "الضعف ونصف الضعف". التأمينات لا تعلم أن التقاعد المبكر أفضل لها.. ولسبب جهلها بذلك تريد فرض رسوم على التقاعد المبكر! في الحقيقة، التأمينات تبحث عن مخارج من مأزق عدم نجاح استثمارات أموال مئات الآلاف من المتقاعدين لأكثر من 40 عامًا.
أليس راتب التقاعد لمتقاعد مبكر 11.000 ريال عند سن "الخمسين"، ولمدى حياته، أفضل للتأمينات من راتبه عندما يتقاعد عند سن "الستين"، ويحصل على 26.300 ريال شهريًّا بقية حياته؟ لغة الأرقام هي الحكم.
التقاعد المبكر أفضل للتأمينات؛ إذ إن الموظف الذي يبقى على رأس العمل حتى سن "الستين" يرتفع راتبه سنويًّا تقريبًا 5 %؛ وبذلك يكون ارتفع راتبه 55 % في 10 سنوات قبل التقاعد. أيضًا، إذا بقي الشخص على رأس العمل حتى سن "الستين" تصبح خدمته 35 سنة مقارنة بمن بتقاعد عند سن "الخمسين" وخدمته 25 سنة؛ وبذلك يكون راتبه قبل التقاعد ارتفع 55 %، وأيضًا ارتفعت نسبة راتبه التقاعدي إلى 70 % من راتبه الأساسي بدلاً من 50 %.
نلخص ذلك بمثال: راتب شخص على رأس العمل 22.000 ريال شهريًّا عندما وصل عمره "الخمسين" وخدمته 25 سنة، فإذا اختار التقاعد المبكر سيصبح راتبه التقاعدي تقريبًا 11.000 ريال شهريًّا بقية حياته، ولكن لو بقي على رأس العمل حتى سن "الستين" سيصل راتبه الأساسي قبل التقاعد إلى 35.800 ريال؛ ويصبح راتبه التقاعدي 26.300 ريال شهريًّا بقية حياته.
في كلتا الحالتين، وعند سن "السبعين" تكون نقطة التعادل، وستكون التأمينات قد دفعت للشخص المتقاعد مبكرًا (عند سن "الخمسين") المبلغ نفسه الذي دفعت له لو كان تقاعده كاملاً (عند سن "الستين") بعد طرح "استقطاع 10 سنوات"، وبعد ذلك تخسر عليه التأمينات مليونَيْ ريال زيادة عندما يصل عمره إلى 83 سنة مقارنة بالمتقاعد مبكرًا، ولو أمد الله بعمره إلى سن 95 سنة ستكون التأمينات خسرت عليه مليونَيْن أخريَيْن. هذا بناء على المثال السابق. ولا أعلم لماذا ترى التأمينات أن التقاعد المبكر ليس في صالح حساباتها المالية!
طبعًا، نحن في هذه الحسبة خصمنا ما استقطعته التأمينات خلال السنوات العشر (من سن "الخمسين" حتى "الستين") لمن بقي على رأس العمل.
أحد أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 هو "زيادة متوسط العمر المتوقع للمواطن من 74 إلى 80 عامًا"، وهذا يؤكد ضرورة إعادة النظر في استراتيجيات الاستثمارات للتأمينات الاجتماعية، التي ستسبب لميزانية الدولة حرجًا كبيرًا عندما تكون ميزانية التأمينات بـ"السالب"، وهي بالأساس تعتمد على عوائد الاستثمارات. التأمينات الاجتماعية أخطأت كثيرًا في استثماراتها وحساباتها طوال السنين الماضية، وها هي تكرر الخطأ مرة أخرى، ولا تدع فرصة لغيرها بأن يساهم في الآراء والتحليل. التأمينات تبحث عن مخرج "حالي"، لكنه سيكبد السعودية خسائر كبيرة "مستقبلاً".
المشكلة أن التأمينات الاجتماعية رفعت توصياتها بخصم رسوم من المتقاعدين مبكرًا. هذه قرارات بُنيت على خطأ؛ ويجب أن ينتبه لذلك مجلس الشورى والمجالس العليا.