الجعيد: إجراءات ضبط الصرف الحكومي قللت العجز.. وهذه أسباب تفاؤلنا بالميزانية

خبير اقتصادي يقدِّم قراءة شاملة لأبرز ملامح الموازنة
الجعيد: إجراءات ضبط الصرف الحكومي قللت العجز.. وهذه أسباب تفاؤلنا بالميزانية
تم النشر في
أكد الدكتور بندر الجعيد، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، أن ميزانية السعودية لعام 2016-2017 لم تكن تقليدية في طرحها أو في مكونها، وأن من المهم قبل البدء في التحليل وصياغة التصورات والتوقعات عن الاتجاه الذي سوف يسلكه الاقتصاد المحلي أن نفهم الاتجاهات الحالية في الاقتصاد الدولي.
وواصل: "الاقتصاد العالمي شهد انخفاضات تدريجية من عام 2010 في معدلات النمو، بمعدل نمو 5.4 % في عام 2010 إلى ما يقارب 3 % في العام المنصرم، وتوقعات بمعدل 3.4 % للعام القادم. والكثير من المحللين حدد أسباب هذا التباطؤ إلى عوامل عدة، منها تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وانخفاض أسعار المواد الخام، بما فيها النفط، وكذلك رفع أسعار الفائدة من البنك الفيدرالي الأمريكي، والتوقعات بحدوث ارتفاعات أخرى في العام القادم".
وأضاف "العام المنصرم حمل أنباء مؤثرة على الاقتصاد العالمي، من أهمها قرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما صاحب ذلك من ضبابية حول الشكل الجديد للتبادل التجاري مع المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولا نغفل دور التقلبات الحادة التي شهدتها أسواق العملات لبعض العملات، مثل الجنيه الإسترليني والجنيه المصري والليرة التركية والنير النيجيري. وفي ظل هذه المعطيات الدولية تَشَكَّل اتجاه اقتصادي في معظم الاقتصاديات المتطورة نحو توجيه الصرف الحكومي نحو الاستثمار الذكي في البنى التحتية، وكذلك تقديم المعونات للفئات غير العاملة والعاجزة عن العمل وذوي الدخل المنخفض، ودعم القطاعات النوعية الاقتصادية والبحث العلمي والابتكارات. مع العلم أن توجُّه دول العالم الأول في الأغلب يكون مؤثرًا في توجهات الاقتصاديات الأخرى".
وعن المؤثرات على اقتصاديات الشرق الأوسط قال: منها التوترات والحروب الموجودة بالمنطقة، إضافة إلى التدخلات الإيرانية في المنطقة وفي اليمن تحديدًا، وانحسار الفرص لأي نمو اقتصادي لبعض دول المنطقة التي تشهد نزاعات. وهذا بالطبع انعكس على مستويات التجارة البينية في الشرق الأوسط. والسعودية جزء من هذا الاقتصاد العالمي، ومجموعة في دول العشرين، ويعتبر الاقتصاد السعودي الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وبالتالي أي إجراءات اقتصادية تتخذها السعودية لها بعد محلي وإقليمي. والتغييرات في معدلات نمو الاقتصاد العالمي وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين من الأسباب الرئيسية في انخفاض الطلب على الطاقة، مع عدم إغفال زيادة المعروض من النفط. ولا تزال الإيرادات من النفط تشكّل تقريبًا ما يفوق 70 % من الإيرادات الوطنية.
وعن الميزانية ومخالفتها للتوقعات قال: جاءت الموازنة المعلنة بعجز أقل من المتوقع في بداية عام 2016 بمقدار 297 مليار ريال، وانخفاض يقدر بـ 9 % عن التوقعات. وكذلك قدم بيان وزارة المالية ميزانية ذات معدلات إنفاق أعلى لعام 2017، وتوقعات حكومية بعجز أقل من المتوقع بما يقارب الـ 198 مليار ريال. بعيدًا عن الأرقام والتوقعات، التي بالمجمل تقع تحت تأثيرات المتغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية، فإن هذه الميزانية قدمت العديد من الإجراءات التي كان يطالب بها الاقتصاديون منذ زمن.
أول هذه الإجراءات التي تم اتخاذها في عام 2016 هو تقديم برنامج اقتصادي استراتيجي، برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية 2030؛ لتقليل الاعتماد على النفط كدخل أساسي للاقتصاد الوطني. واستراتيجية طموحة بهذا الشكل بالطبع سيكون لها انعكاسات على جميع مفاصل الاقتصاد المحلي والإقليمي.
وكشف الدكتور الجعيد أن إجراءات ضبط الصرف المالي الحكومي قبل أشهر عدة من خلال إيقاف العديد من البدلات كان لها دور كبير في خفض العجز لهذا العام والأعوام المقبلة. كذلك كان لإعادة دراسة رسوم الخدمات البلدية وتقديمها بشكل جديد دور إيجابي في رفع التوقعات الخاصة بزيادة الدخل غير النفطي، على الرغم من انخفاض نسبة ومبالغ هذه الرسوم بالمقارنة مع دول المنطقة، ولكن تظل استراتيجية الزيادة بالتدريج لتسهيل استيعاب هذه التغييرات هي العنوان الأبرز.
وواصل: أبرز ملامح الميزانية هو فرض العديد من الرسوم على الشركات التي طالما تقاعست في توطين الوظائف لديها، وهو إجراء تحفيزي للقطاع الخاص للاتجاه نحو توطين الوظائف، واللجوء للاستقدام عند الحاجة فقط، أو عند وجود خبرات أجنبية غير متوافرة محليًّا. كذلك كان لا بد من إعادة التفكير في التكلفة التي تتحملها الموازنة كل عام من خلال استقبال المرافقين للعمالة الوافدة، واستخدامهم للطرق والمدارس والأمن الموفَّر لهم والحدائق، وغيرها الكثير. وشرح قائلاً: القرار بفرض رسوم على الوافدين مطبق في دول عديدة، وهو قرار صائب - بدون شك - ولكي نجني ثمار ذلك لا بد من تطبيقه بدون تمييز بين الجنسيات، ومن الممكن استثناء الحالات الإنسانية الحرجة. ولا نغفل التوجه بعدم فرض ضرائب دخل على الوافدين على الرغم من تطبيق هذا القرار في العديد من الدول، ومنها دول المنشأ لهؤلاء الوافدين.
وقال: النقطة المحورية الأخرى في الميزانية هي الرفع التدريجي للدعم الحالي لأسعار الطاقة، الذي يصل الآن للمواطن والمقيم بصورة فيها هدر كبير للمال العام، بل إن السعر المخفض للطاقة كان حافزًا لزيادة الاستهلاك. ومن الأرقام المخيفة استهلاك السوق المحلي ما يقارب 30 % من الإنتاج النفطي. تقديم الدعم الحكومي للمواطنين المستحقين استراتيجية مستخدمة منذ سنوات في العديد من الدول، وتؤدي الغرض في دعم الفئات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط والمنخفض أو غير العاملة. ويُتوقَّع أن توفر هذه الإجراءات ما يعادل 209 مليارات ريال سنويًّا.
وأضاف: تميَّزت هذه الميزانية بالشفافية، ووجود عامل التوعية للرفع من مستوى الوعي الشعبي بالوضع الاقتصادي والإجراءات الاقتصادية المتخذة حيال ذلك. وهناك العديد من الإجراءات المطلوبة لتعزيز ميزة السعودية التنافسية في السوق الدولية، وجذب العديد من رؤوس الأموال الضخمة، ولكن يبدو أنها تحت الدراسة حتى الآن. ولا نغفل أهمية تطوير شركة المياه الوطنية، وآلية حساب تكلفة فاتورة المياه.
وعن الفرص المتاحة للاقتصاد المحلي أردف: التطلعات كبيرة، والإجراءات غير مسبوقة، وتحتاج إلى آليات للتنفيذ والمتابعة، ولكن لا يجب أن نغفل الفرص الأخرى المتاحة للاقتصاد المحلي والشركات السعودية، التي من أهمها تعزيز الاتجاه الحالي لتنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار في الشركات العملاقة ذات معدلات النمو الجيدة والدخل المتوسط، والتي تحمل عامل مخاطرة أقل، ولعل أبرزها الشراكة القائمة مع سوفت بانك Softbank الياباني، وصفقات الاستحواذ الأخرى التي قام بها صندوق الاستثمارات العامة في العام المنصرم. وأثبتت الظروف الاقتصادية الدولية ضرورة المضي قدمًا في إجراءات دراسة وتأسيس الاتحاد الخليجي، والتوسع في السوق الخليجية المشتركة، إضافة إلى فتح شراكات اقتصادية أكبر مع دول ذات بُعد مستقبلي إيجابي، مثل الهند التي تغلبت على الصين في معدلات النمو، وكذلك دول الكتلة الأوروبية الشرقية، والفرص المتاحة للاستثمار في بعض الدول الإفريقية، مثل كينيا وأوغندا والغرب الإفريقي.
الطموحات كبيرة، والعمل المطلوب أكبر، لكن أن يكون لديك هدف مثل 2030 و2020 أفضل من أن تسير كاقتصاد بدون هدف استراتيجي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org