الخطاط النفيعي: "نرجو عدم الكتابة للطالب" كشفت موهبتي.. وكراسة "هاشم محمد" صقلتها
أكد الخطاط عبيد النفيعي أن التقنية لها أثرها السلبي على الأجيال الناشئة؛ إذ لم يُعطوا الكتابة الورقية حقها من الاهتمام؛ فنشأ عندنا إشكاليات في الخط والكتابة الإملائية. وطالب النفيعي وزارة التعليم بوقفة حازمة للاهتمام بجانب تحسين الخط بالقلم العادي عبر إيجاد علاج جذري للمشكلة من خلال إعطاء مادة الإملاء استقلالية تامة عن بقية المواد، وكذلك مدة الخط بتخصيص حصص ووقت وأساتذة لها. مشيرًا إلى وجود جهود مبذولة تُشكر، لكنها تحتاج إلى مزيد من تضافر الجهود.
وقال في برنامج "ريشة" على القناة السعودية الأولى إن الخط العربي يتمتع بقيمة جمالية، وقوة حروف، وقوة تاريخ، وقوة صمود على مدى هذه السنوات التي قاربت أكثر من 1200 عام منذ أن بدأ الخط العربي في وضع قواعده الأولى. مشيرًا إلى أن الخط العربي له جاذبية كبرى، ومن دخل في مثل هذه الجاذبية لا يستطيع الانفكاك منها.
وأضاف بأن هذه من إعجازات هذا الفن الكبير، وقدرته على الصمود والمرونة، وعلى البقاء فترات طويلة، سواء فترات زمنية أو حتى فترات اهتمام من قِبل الشخص؛ إذ إن الخط يبقى ملازمًا للشخص إذا اهتم به في البدايات، وسيبدأ ملازمًا له حتى إذا انقطع عنه، ولو بمجرد النظر أو الاطلاع أو ما يسمى بالتغطية البصرية التي هي جزءٌ مهم جدًّا في عملية تعلُّم الخط وتعليمه.
ووصف "النفيعي" الخط العربي بأنه بمنزلة رئة ثالثة يتنفس بها؛ إذ أصبح الخط يلازمنا، سواء في المنزل والعمل والسفر وفي الإقامة، وصرنا لا إراديًّا نكتب وإن لم نجد أدوات الخط نكتب بأي خامة موجودة، وربما حتى نكتب بأذهاننا وتصورنا بعض التراكيب، ونتصور بعض السطور.
وبيّن أن هناك خطوطًا عربية عدة، بعضها تطور، وبعضها اندثر، وتبقى منها حاليًا ستة أنواع من الخطوط المشهورة، هي "الثلث والنسخ والديواني والرقعة والفارسي والكوفي". مشيرًا إلى أن الأحب له هو الكتابة بخطَّي الثلث والنسخ؛ إذ إن الثلث هو سيد الخطوط وأصعبها، ومَن كتب الثلث على الدوام أعانه في سائر الأقلام كما يقول أصحاب الصنعة.
وقال: إن أولى الإشارات التي دلت على وجود موهبة للخط العربي لديَّ هي حادثة طريفة؛ إذ إنني في المرحلة الابتدائية في الصف الثاني أو الثالث الابتدائي عندما طلب منا الأستاذ الفاضل أن نكتب قطعة إملائية كتبتها منمقة ومرتبة سطورها. ولعل الأستاذ استكثر هذا المستوى لطالب في الصف الثاني أو الثالث الابتدائي؛ فكتب تحت هذه القطعة "أرجو عدم الكتابة للطالب". كانت هذه رسالة لولي الأمر؛ فحضر والدي، وبيّن الموقف أن أنا من كتب هذه الكتابة؛ فأُعجب الأستاذ بهذا المستوى، وكرّمني على مستوى المدرسة.
وبيّن أن تلك الحادثة كانت أولى الإشارات التي دلت على وجود موهبة للخط العربي. وقال: في المرحلتين المتوسطة والثانوية كانت لي تجارب متوازية مع الاهتمام بالخط العربي، هي الرسم بالألوان المائية، والرسم بالأحبار والألوان الزيتية والكارتير، وتغلَّب الخط على هذه الفنون.
وأضاف بأن مرحلة الاهتمام بالخط العربي جاءت في المرحلة المتوسط، ووجدت كراسة تسمى في عرف الخطاطين كراسة، لكنها كتاب تعليمي، كان للخطاط معلم الأجيال الأستاذ هاشم محمد رحمة الله عليه، الذي كان مع أحد الزملاء، وأُعجبت به؛ واستعرته، وبحثت عن هذه النسخة بحثًا مطولاً حتى فقدت الأمل في إيجادها حتى جاءت أحد الأيام، ووجدتها مصادفة في إحدى المكتبات أثناء المرور؛ فطرت بها فرحًا، وكان سعرها مرتفعًا، واقتنيتها، وما زالت هذه النسخة موجودة عندي حتى الآن.
وتابع: دخلنا في مرحلة النشاطات اللاصفية التي كانت في مواسم الصيف، وكانت تعرف بالمراكز الصيفية والمراكز الموسمية، وكان فيها دورات متعلقة بالخط العربي. وهذه صقلت الموهبة، وبينت لي بعض المفاهيم في فن الخط العربي من خلال أساتذة كرام، استطاعوا أن ينقلونا من مرحلة إلى مرحلة أفضل في عملية فهم الخط العربي، والنظر إلى تجارب أخرى، ومعرفة بعض التفاصيل الدقيقة في إنتاج العمل الفني.
وبيّن "النفيعي" أن نقطة التحول الحقيقية والكبيرة في الاهتمام بالخط هي الاطلاع على كراسة هاشم محمد رحمة الله عليه، كذلك الالتقاء بالأستاذ القدير ناصر عبدالعزيز الميمون في عام 1430 الذي أُعجب بالمستوى والموهبة، وبدأ في عملية الدعم والتوجيه إلى تجارب وكراسات تعليمية أخرى، وحصلت بعد أربع سنوات من لقائي به على شهادة تقدير منه في الخط العربي، وبعدها بعامين أخذت الإجازة العامة من الأستاذ ناصر الميمون.
وعن الجوائز التي حصل عليها يقول النفيعي: حصلت على جائزة المركز الأول في مسابقة الخط العربي في خط النسخ، التي أقيمت في جامعة الملك خالد بمدينة أبها على مستوى السعودية في عام 2020، وكذلك جائزة المركز الثالث في مسابقة خط من تراثنا في فرع خط الثلث، التي نظمتها أرامكو عام 2019، وجائزة المركز الثالث مناصفة في مسابقة سوق عكاظ العالمية في فن الخط العربي عام 2015، وكنت أول سعودي يفوز بهذه الجائزة، وكذلك جائزة أكاديمية الشعر التابعة لجامعة الطائف في فرع الخط العربي عام 2021م.
وبيّن "النفيعي" أن التقنية لها دور فعال وإيجابي إن أُحسن استخدامها في عملية الخط، كأن يستعين الخطاط في موضوع الترتيش وتنظيف الحروف باستخدام تقنيات خاصة، يستطيع من خلالها بيان جمال الحرف، ويكسب الوقت والجهد في عملية الترتيش، ويستعيض عن ذلك بالدخول في بعض البرامج والتقنيات البرمجية التي تجعل الحروف أكثر جمالاً ونصاعًا.
وأشار إلى أن هناك أعمالاً رقمية في الخط العربي في إطار حروفيات؛ إذ يأتي الخياط ويضع حروفه في قواعد فنية، وداخل تكوينات لونية معينة، تكون هذه التكوينات والقوالب خاصة بالخطاط، لكنها منفذة بشكل تقني، وهذا من الاستخدام الأمثل والإيجابي للتقنيات في بيان جماليات الخط العربي، وليس كما يظن البعض، إضافة إلى أن الخط باقٍ بأدواته التقليدية وقواعده الكلاسيكية، لكن التقنيات تضيف وتُجمِّل هذا الخط، وتجعله قريبًا من المتلقين من العرب وغير العرب.
واختتم "النفيعي" بأن هناك بعض الملاحظات التي شوهدت في الآونة الأخيرة بأن بعض مَن دخل في مجال الخط بدأ يستخدم بعض التقنيات استخدامًا غير مشروع، كأن يأخذ حروفًا ليست له.. مشيرًا إلى أن مستقبل الخط العربي مشرق، وما زلنا نرى بين فترة وأخرى مبادرات تخدم الفن العربي، كان آخرها مبادرة الخط العربي من إشراف وزارة الثقافة لعامَي 2020 و2021.