أكد أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقاً مؤسس ورئيس لجنة تسمية الحالات المناخية المميزة في السعودية "تسميات" د. عبدالله المسند، أنه لا تعارض بين التوكل والعمل بتقنية الاستمطار ولا مع الاستغفار أو الاستسقاء، موضحًا أن الاستمطار سبب كغيره ينجح وقد يفشل، كما يفعل الطبيب والمزارع والمهندس، وغيرهم من تحرٍّ وفعل للأسباب الجالبة لتحقيق المقصود.
وأضاف أنه وكما أن الخالق يأمرنا بالتوكل عليه يأمرنا أيضاً بفعل الأسباب، فلا يكفي أن نستسقي دونما حرث وبذر للأرض وإعدادها لاستقبال المطر؛ لكوننا مزارعين، (اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران)، متسائلًا: ما هو المحظور في تفعيل تقنية الاستمطار وتطبيقها والاستفادة منها، وهو يشبه من وجه عملية التلقيح (الصناعي) للمرأة؛ حيث التدخل البشري المحدود والمسموح به شرعاً وأخلاقاً.
ولفت إلى أن طفل الأنابيب أو طفل التلقيح الصناعي لا يُسمى طفلاً صناعياً، ويجب أيضاً ألا نسمي الاستمطار مطراً صناعياً، فالذي خلقه هو الله وفعل الإنسان سبب {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ؟}.
وأوضح "المسند" أن تدخّل الإنسان المحدود في عملية بذر السحب المتأهبة للهطول أو التلقيح الصناعي هو سبب واقع تحت مشيئة الله إن شاء أمضاه وإن شاء أبطله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وهو عمل مشابه؛ لما يقوم به المزارع في إضافة السماد ليتضاعف محصوله، أو في عملية تلقيح النخل، فكل هذا سبب واقع تحت مشيئته إن شاء أمضاه وتضاعف المحصول، وتلقح النخل، وسقط المطر، وإن شاء أبطله وأبطل مفعوله والله أعلم وأحكم.
وتابع: من جهة أخرى، قام الإنسان بتحلية مياه البحر الأجاج عبر تقنية عصرية، والتحلية محاكاة صناعية بشرية لآلية الدورة المائية الطبيعية، بمعنى آخر التحلية (مطر صناعي) ولم يعدّ ذلك العمل وتلك التقنية محاكاةً ومضاهاةً لخلق الله، بل هو مما أتاح وأباحه الله عز وجل.
وبيّن الدكتور "المسند" أن تقنية الاستمطار عمل مشروع، وليس فيه محادّة للخالق -عز وجل- ومن أجل بقاء الحياة في ظروف مناخية صحراوية قاسية، وتوفير الماء للبلاد؛ فنحن مأمورون شرعاً بفعل الأسباب الحسية، كحفر الآبار الارتوازية، وإقامة السدود في المناطق الجبلية، وتشييد القنوات المائية، وتحلية مياه البحر المالحة، وأخيراً تفعيل تقنية الاستمطار لزيادة الكمية.
واستطرد: مع هذا كله يبقى الإنسان ضعيفاً ذليلاً لخالقه فلا يستطيع الإنسان تبخير المحيطات، وترطيب الأجواء والسماوات، وسَوْق الرطوبة فوق القارات، وتكثيفها والتأليف بينها لتكون ركاماً يحمل الخيرات، بل هذا لله وحده الخالق المالك المدبر، فإن تخلّف شرط واحد فلا تفيد تقنية الاستمطار، وأنه أحياناً طائرات الاستمطار رابضة في مدارجها لا تتحرك طول موسم الأمطار؛ لأن الخالق لم يشأ أن يسوق لنا المنخفضات الجوية الحاملة للأمطار {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
ومضى "المسند": الاستمطار هو تدخل بشري تقني محدود لتلقيح أو زرع السحاب بمواد التكثف الطبيعية كملح الطعام، أو الكيميائية كـ"يوديد الفضة"، وهي تقنية وهبها الله تعالى للإنسان بالعلم والتعلم؛ من أجل السعي لتعديل الظروف المناخية بشكل محدود وترويضها لخدمته (إن استطاع) قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
وأشار إلى أن المستمطرين لا يستطيعون تحديد الزمان ولا المكان لهطول المطر؛ نظراً للتعقيد الشديد الذي يلف آلية تخلق المطر، ودخول أكثر من عامل مؤثر؛ (فقد) يتم الرش بمواد الاستمطار فوق الرياض، ويسقط المطر فوقها أو فوق الدهناء مثلاً أو لا يسقط البتة!!، وقد يتم الرش فوق القصيم فيسقط المطر فوق الزلفي مثلاً أو لا يسقط!!، وهذا يحصل في كل أنحاء العالم، (فإسرائيل) تستمطر فيسقط المطر أحياناً على الأردن، فتنبهت لهذا وبدأت تستمطر السحب فوق البحر المتوسط ليهطل فوق فلسطين.
وعن نجاح هذه العملية أضاف أن التجارب العالمية أكدت حتى الآن أن نجاح الاستمطار يتراوح بين 5-20% زيادة في الهطول في مساحات كبيرة ولفترات زمنية طويلة، وقد تزيد أو تنقص النسبة عما ذكر حسب الظروف الفيزيائية للسحب، ورأيي في المسألة أقول: إن الاستمطار تقنية علمية صحيحة في معادلاتها الكيميائية والفيزيائية والرياضية، ولكن تحديد الجدوى الاقتصادية مسألة أتوقف عندها لتعارض النتائج والتقارير العالمية في هذا السياق.
وأفاد "المسند" بأنه لا يوجد فرْق بين نوعية المطر الملقح بالمواد الطبيعية عبر الطائرات أو المطر الملقح بالرياح طبيعياً، وعليه لا توجد آثار سلبية على الناس ومصالحهم الزراعية والحيوانية، وإذا ما تركت السحابة لطبيعتها فإنها (قد) تلقح بمواد عالقة في الجو كالغبار والرماد البركاني وغبار اللقاح الزهري والملح والدخان ورماد الشهب ونحوها ومن ثم يسقط المطر {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}، ولكن عند استثارتها عبر تقنية الاستمطار تكون -بإذن الله تعالى- تحت تأثير مزدوج اللقاح الطبيعي والصناعي فتكون نسبة الهطول وقوعاً وكماً أعلى والله وحده أعلم.
وتساءل "المسند": هل نحن بحاجة لتقنية الاستمطار؟ ليجيب بالقول: قدرنا أن نكون في موقع فلكي يُصنف مناخياً أنه مداري جاف، وأمطاره شحيحة عدا المرتفعات الجنوبية الغربية، ومتوسط الهطول حوالي 100 ملم سنوياً، يتبخر جلّه، ويتسرب في الأرض القليل منه، هذه الظروف الجافة، وأنشطة الناس المختلفة وخاصة الزراعية منها أثرت على المياه الجوفية التي تعرضت إلى استنزاف غير مسبوق، حتى جفت العيون التاريخية، وبعض الآبار الارتوازية، والبحيرات السطحية فأصبحت أثراً بعد عين.
وأضاف: ينبغي في هذا الإطار التحذير من إطلاق بعض العبارات أو الأوصاف، والتي قد يكون فيها ما يخالف العقيدة، فمن الخطأ السؤال: هل هذا مطر طبيعي أم من فعل الاستمطار؟! أو هذا مطر صناعي! والنبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بأصحابه ثم قال: يقول الله تعالى: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".
وختم: يخطئ بعض الناس في تمرير صور طائرات إخماد الحريق العملاقة وهي تقذف الماء على الحريق أنها هي المقصود بالاستمطار، والصحيح أن طائرات الاستمطار صغيرة جداً، أيضاً بعض الناس يشاهد ما ينبعث من محركات الطائرات في السماء من خطوط بيضاء، ويعتقد أن هذا هو الاستمطار، وهذا أيضاً غير صحيح، وكان الدكتور "المسند" قد نشر مقالة عن تقنية الاستمطار كتبها قبل 14 سنة (1429) تجدها هنا في هذا الرابط