في زمن الدكتاتورية التي تُحاط بها سجون العالم، في قسوة على المذنب، والضرب بعصا التأديب الموجعة؛ اعتقاداً منهم أنها مهابة لكل مَن تُسَوّل له نفسه الإقدام على مثل ذلك..
أيدٍ مكبّلة وأقدام تحيطها السلاسل الغلاظ، وانفرادية، وتعامل قاسٍ، لا صلة له ببني البشر، والسجناء -بلغة الأشغال الشاقة- يُعَذَّبون وتكوى جباههم وجنوبهم من دكتاتورية العسكرة الظالمة والباغية من بني البشرية!
هنا.. في سجن المباحث العامة وتحديداً في الحائر بالرياض، لكم أن تتخيلوا أن أكثر من اثني عشر نزيلاً ممن ابتُلوا بالذهاب إلى مناطق النزاع والحروب المأجورة، أو من وقع بعضهم في فكر مشين أراد به سالكوه زيغ الشباب، وتنفيذ أجندة إيران اللعينة!! تخيلوا أننا جلسنا مع هذه المجموعة في لقاء خاص واجتماع مع أعلى سلطة في إدارة سجون المباحث العامة في مكتب اللواء أبو سلمان بكل أريحية، ولا يحملون بين أقدامهم سلاسل ولا كلبشات، ولا تكبيل لحركتهم.
وكانت تلك الليلة مع هؤلاء النزلاء سمرة أخوية بعيدة عن الصخب العقابي، ولكم أن تتصوروا الممازحة بلطف واحترام، وممانتهم وحبهم لأبي سلمان، الذي أراد أن يرى منهم ماذا سيقدمون من مشاركة في حفل استلام شهادات التخرج، الذي أقيم حينها في مسرح الاحتفالات برعاية نائب الملك وقاهر الإرهاب واليد الحانية على أبناء الشهداء، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف.. حيث مكثنا استعداداً لهذا الحفل عدة أشهر.
وفكرة هذا التخريج تنبت شيئاً فشيئاً؛ حتى وصلت لهذه الرعاية التي حضرها سماحة الوالد مفتي عام المملكة آل الشيخ، ووزير التعليم د.العيسى، ومعالي مدير جامعة الإمام، وعضو هيئة كبار العلماء سليمان أبا الخيل، والفريق أول الهويريني ونائبه معالي الفريق، ووزراء وأصحاب فضيلة وكبار ضباط؛ دلالة على ما يجد هؤلاء الجانحون من رعاية واهتمام يخالف واقع سجون (جوانتنمو وسجون أبو غريب) التي تزيد صورها الذهنية عند عامة العالم بأنها سجون تعذيب لا تهذيب، وغيرهما في سوريا وإيران أدهى وأشق.. نسأل الله الحماية.
سجن المباحث في الحائر تحت إدارة عامة يترأسها اللواء أبو سلمان، عقلية فذة هو ومساعدوه، بتخطيط ورؤية اجتماعية في إدارة الوقت التي مُنحت لهؤلاء النزلاء.
نعم تخرّج منهم هذا العام ١١٤ خريجاً من هذا السجن، يحملون شهادات جامعية في تخصصات عدة، من عمادة الخير والبركة (التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد) التي كادت أن تغلَق في زمن مضى، لولا عناية الله ثم وزيرنا "العيسى" والشيخ أبا الخيل، وإدراكهما أهمية ذلك التعليم، الذي نتاجه تخريج نزلاء سيكونون بحول الله عنصر إنتاج مجتمعي مستقبلاً حال خروجهم من محكوميتهم.
الحفل الذي كانت فقراته متنوعة أبدع في تقديمه الزميل الإعلامي مشاري عواد العنزي ابن العمادة وإدارة العلاقات العامة والإعلام، باهتمام بالغ من د.أبو معاذ ود.السيف؛ حيث كانت المراهنة عليه في محلها بحمد الله.
قادة المباحث لهم دور كبير وفاعل؛ حيث كان رجاله قمة في الحماس والتعب والسهر مع لجان الجامعة، التي حثنا فيها معالي المدير وعميد التعلم على أن نبذل ما في وسعنا لهذا التخريج.
كان اللواء أبو سلمان ملازماً لنا طيلة الاجتماعات الماراثونية، وعميدنا الدكتور عبدالعزيز العامر، الذي وجدنا منهما دعماً ومرافقة مباشرة، وزميلنا الشيخ د.عبدالإله السيف وكيل العمادة، والزملاء جميعاً.
نعم طغى علينا الحماس وتكاتفت الأيدي؛ فلا نجد أنبل شكراً مما نقوله للعميد القرني والعميد الأسمري، وللمقدم (أبو طلال) الذي يعمل بروح وحماس، ويتربع على الأرض، وصال وجال نيابة عن إدارة السجون، والمقدم العريفي مدير السجن، والرائد عرفات وزملاؤهم، الذين سخّروا لنا كل التسهيلات.
حقيقة هؤلاء العسكر -بلغة الأفلام- ليسو كما هم في دول رتيبة، (فضة غليظة).
الفضل هنا يعود إلى اليد الحنونة والقوية على الإرهاب، إنه الأمير محمد بن نايف، رمز الأمن العالمي، الذي أنبت في هؤلاء قاعدة نُشرت على جدران السجن "لا يوجد لدينا ما نخفية".
قاعدة أمنية تبرزها المباحث في سجن الحائر كقاعدة ورمز لكل زائر..
السر هنا بين المباحث والجامعة؛ أن الخريجين من النزلاء وجدوا من جامعة الإمام صدراً رحباً لتدريسهم وتثقيفهم بالعلوم المتنوعة؛ حتى نالوا منها الشهادة الجامعية، وزادت فرحتهم بإعلان معالي مدير الجامعة -"أنموذج التفريح" كلقب يستحقه- عن هدية سمو ولي العهد بإكمال الماجستير لمن يرغب منهم في ذلك.. ثم أعلن عن مركز الأمير محمد بن نايف التعليمي للنزلاء داخل السجن، يحتوي على كل المتطلبات الدراسية والتقنية والمرجعية التعليمية، وتجاوز بالشيخ أنموذج التفريح، مكارم الجامعة بتوقيع اتفاقية تعاون مستدامة بين الجامعة ممثلة في عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد والسجون بتطوير التعليم للنزلاء.
(الفأل) أبو سلمان ونظيره العامر أوقدا في اللجان الحماس، وركضا بتزامن مع نظرية التأثير منا نحن الطرفين..
أما معالي الفريق أول عبدالعزيز الهويريني الذي أسرّ لي انطلاقة التأثير على الرأي العام وحكايات أمير الأمن -رحمه الله- نايف العزة والكرامة، في تطوير كينونة المباحث وتغيير الصورة الذهنية، بمزامنة احترافية لإدارة الفكر والتطوير، الذي يتصف بها "ولد نايف" محمد الخير، ووائد الأحزمة والمفخخات، حفظه الله ووطننا وأمتنا.
عرس جامعي كم تمنينا يَدَكَ يا "محمد" لنصافحها تلك الليلة، ولا تزال الأمنية فيك قائمة يا "صقر الأمن" أن نتلقف ابتسامتك.
نعم أبدع في الحفل زملائي في العمادة تنظيماً وأداء، والزملاء في إدارة السجون وسجن الحائر، بشهادة عرّاب الجامعة أبو عبدالله أبا الخيل عضو هيئة كبار العلماء، وشهادة معالي الفريق أول الهويريني، ونائبه وزملائهما، ووكلاء الجامعة وعمدائها.
وفخرنا حينما يشهد لنا العراب عند الوزير "العيسى" والفريق "الهويريني" بما قدّم بحمد الله، كما أن زملائي الإعلاميين والإعلاميات كان لهم دور كبير، تُرفع لهم القبعة احتراماً وتقديراً، وأنموذج الإعلاميات "أسمهان الغامدي" التي أثرت البيان بياناً مميزاً؛ فعملت بإخلاص وحضور وتفانٍ.
كما أن منسوبات العمادة كُنّ فخراً لهذا الإنجاز؛ فالوكيلة د.منى خطابي التي تعمل بجد وإخلاص، وزميلاتها في العمادة أَثْريْن تلك الأمسية بعمل مميز وتنظيم رائع مع الضيفات والإعلاميات وأمهات النزلاء، بالتعاون مع نساء السجن المسؤولات في عمل وتعاون بنّاء.
زملائي والزميلات في العمادة من كل اللجان شرّفونا بإخلاصهم ونجاحاتهم؛ برغم قلة عددهم لظروف المكان وبُعده عن فناء الجامعة؛ فقد أبدع كل واحد منهم.
وشعر النزلاء بالفخر والاعتزاز حينما رأوا تلك النخبة تعلو المسرح؛ سماحة المفتي، ووزير التعليم صاحب الخلق الرفيع، وعراب الجامعة الوزير أبا الخيل، ومعالي الفريق أول الهويريني، ومعالي نائبه، واللواء أبو سلمان، وعميد الهمة والنشاط أبو معاذ، وبحضور معالي الشيخ الشثري، والعبدالله، واليوسف، والفريق أول القحطاني، والألوية، والضباط، ووكلاء الجامعة.
إنها ليلة للتاريخ ورسالة للعالم وللحقوقيين (تعالوا شوفو بعيونكم).
ومَن وصفني بالمُبالغ فليسمح لي أن أنوب عن رجالات ومسؤولي المباحث، بأن نرتّب له زيارة للسجن له ولمن يريد؛ ليرى بأم عينه ما لم يشاهده، ومَن لم يصدق فهذا مرض نفسي نسأل الله له وللحقودين العافية.
المجد لا يُبنى بالتسويف والخزعبلات.