أتدرون أين وصلنا في عالم التفاخر والتباهي؟! وصلنا إلى حد استخدام البشر وإذلالهم؛ لكي نُظهر للآخرين أننا أكثر منهم مالاً وأعز نفرًا!!
رأيتُ – ذات صباح – طالبة بإحدى الجامعات الأهلية، تنزل من سيارتها، وتهم أن تدخل إلى الجامعة، وتسير خلفها عاملة منزلية (العاملة في الخدمة المنزلية هو المصطلح المستخدم في الأنظمة السعودية)؛ فخطر لي أنها من ذوات الإعاقة – شفاهن الله - أو أنها متعبة، أو أن البيت لم يبقَ فيه أحد من العائلة؛ فأحضرتها معها خوفًا عليها. خطر لي كل شيء إلا حقيقة الأمر المريرة!
في اليوم التالي رأيت فتاة أخرى تصحب عاملتها المنزلية، وكذلك في الأيام التي تليه رأيت ثالثة، ورابعة، وخامسة..!
هنا، قادني فضولي للسؤال؛ فسألت أحد الإخوة في الجامعة؛ فجاءني الجواب صادمًا؛ إذ ذكر لي أن هذه "موضة جديدة"، استشرت بين طالبات الجامعات لأغراض التفاخر والتباهي فيما بينهن! فتساءلت: أين أسرهن؟ أين الجامعة؟ أين الأنظمة والتعليمات؟ أين نحن؟..
هذه الممارسة غير المسؤولة، التي تنم عن عدم النضج، مخالِفة لعدد من الأحكام الواردة في "لائحة العاملين في الخدمة المنزلية ومَن في حكمهم"، التي صدرت في عام 1434هـ، ونُشرت في الجريدة الرسمية (أم القرى) بتاريخ 23/ 10/ 1434هـ في عددها 4477؛ إذ لا يُتصوَّر ولا يُقبل أن ذهاب العاملة المنزلية مع ابنة العائلة المدللة إلى الجامعة من الأعمال المتفق عليها في العقد، وهذا مخالف للمادة الثانية من اللائحة، ما لم تكن هناك ضرورة ملحّة، كما هو الحال بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة لأغراض دمجهم في المجتمع، في تقديري.
كما أن المادة السابعة من اللائحة ألزمت صاحب العمل بعدم تكليف العامل في الخدمة المنزلية بغير العمل المتفق عليه إلا في حالات الضرورة، بشرط ألا يختلف العمل الذي يُكلَّف به اختلافًا جوهريًّا عن عمله الأصلي. فهل إحضار العاملة المنزلية للجامعة للتباهي والاستخدام من الضرورة؟! كما أن اللائحة ألزمت صاحب العمل (المادة السابعة) بألا يكلف عامل الخدمة المنزلية بأي عمل يمس كرامته الإنسانية. وأرى أن هذه الممارسة لا تمس كرامة العاملة المنزلية فحسب، بل تنهشها نهشًا!
ما أرجوه هو أن تقوم الجامعات بوضع حدٍّ لهذه الممارسة اللاإنسانية فورًا، وأن تقوم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية - باعتبارها الجهة المختصة بتطبيق اللائحة - بتقصي هذه الممارسة، وإيقاع الجزاءات المنصوص عليها بحق المخالفين.
أما أنتَ أيها الأب، وأنتِ أيتها الأم، فعبِّرا عن حبكما لابنتكما، وسعيكما إلى أن تكون سعيدة وفخورة بكما وبنفسها، بما يبعث على ذلك حقًّا! بالعلم، بالأدب، بمساعدة الآخرين، بالتواضع.. وليكن معياركما في ذلك قيمنا الأصيلة، وليس ما تطلب هي!
إذا كانت ابنتكما غالية عندكما فتلك العاملة التي تجرها ابنتكما، وكأنها من أدواتها الدراسية، غالية عند أهلها.. وإذا كنتما أنتما لابنتكما فتلك لها الله!