تُعزز الزيارة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، اليوم، إلى الصين علاقات البلدين؛ خاصة أنها ستشهد توقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية العملاقة، التي ستتركز على الطاقة والصناعة.
وبقدر الفتور في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والصين قبل نحو سبعة عقود مضت؛ بقدر الترابط والشراكة القوية بينهما اليوم، بعدما تأكد لمسؤولي البلدين أن المصلحة العامة للشعبين السعودي والصيني تقتضي توثيق هذه العلاقات وتنميتها على كل المستويات.
وتقوم العلاقات بين الرياض وبكين على الاحترام المتبادل، وتركّز في مضمونها على الملفات ذات الأهمية، مثل الملفات الاقتصادية والسياسية؛ وأهمها: العمل على دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، والدعم الصيني لموقف السعودية من القضية الفلسطينية، ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وترى الصين أن من الواجب كذلك دعم القضية السورية من خلال جهودها المتواصلة لتخفيف الأزمة الإنسانية السورية، ودعم حل الأزمة عن طريق الحلول السلمية.
وترى الصين أن السعودية تقوم بدور إقليمي محوري ومهم لحل النزاعات؛ من خلال سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاحترام المتبادل للدول الأخرى، وتعزيز مفهوم حُسن الجوار.
وتشهد العلاقات بين البلدين نمواً متواصلاً على جميع المستويات، ويعزز ذلك الزياراتُ المتبادلة بين كبار المسؤولين في الرياض وبكين.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نمواً قياسياً خلال السنوات العشر الأخيرة؛ حيث تجاوَزَ أكثر من 73 مليار دولار في 2013.
طريق الحرير
وتعود العلاقات السعودية- الصينية إلى أكثر من سبعة عقود خلت؛ ففي القرن التاسع عشر أطلق الجغرافي الألماني فرديناند فون ريتشهوفتن اسم "طريق الحرير" على الطرق البرية والبحرية التي كانت القوافل والسفن تسلكها، مروراً بجنوب الصين، وعبر الروابط البحرية والبرية مع أنطاكيا التركية وجغرافيات أخرى، وهو الطريق الذي كان سبباً في ازدهار عدد كبير من الحضارات القديمة مثل الحضارة الهندية والرومانية والصينية وحضارات أخرى.
وما بين القرن 19 والقرن 21، توسع طريق الحرير ليشمل الأرض والبحر والجو، ولتصبح الصادرات والواردات لا تسلك طريق حرير واحداً؛ بل طريق الذهب والنفط والتحالفات الاستراتيجية، التي جعلت الاقتصاد السعودي يرسم طرقاً حريرية أخرى أساسها النفط.
ويبلغ عمر العلاقات بين البدين في التاريخ الحديث نحو 78 عاماً، حين قررت الرياض في عام 1939 التمهيد لعلاقات سياسية قوية مع بكين؛ هذا القرار استغرق ستة أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في 15 من نوفمبر 1946 في جدة.
وتوقفت العلاقات بين البلدين لمدة 20 عاماً؛ بدءاً من 1949 وحتى 1979، وهو التاريخ الذي لم يخلُ من علاقات واتصالات دائمة؛ لكنها ليست بذلك المستوى الرسمي رفيع المستوى، وحين بدأت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها من جديد مع العالم.
وفي تلك الفترة، كانت العلاقات مستمرة بين البلدين في ثلاثة اتجاهات؛ أولها: بدء عودة أول قوافل للحجاج الصينيين في نهاية السبعينيات، وثانيها فتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وثالثها وليس آخرها عودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي عند عقد توقيع تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو1990م.
تعزيز الشراكة
وفي الفترة بين 1991 و1998، شَهِدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً تَلَخّص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات؛ لتتوج بزيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان ولياً للعهد في 1998؛ لتعد حينها الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي للجانب السعودي إلى الصين، وهي الزيارة التي وصف فيها الملك عبدالله، الصينَ بأنها أفضل صديق للسعودية.
وسبق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أن زار الصين عندما كان ولياً للعهد في 2014، وشهدت هذه الزيارة مباحثات تشمل ثلاثة ملفات مهمة سياسية واقتصادية وعسكرية.
وقد شهدت زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة في يناير الماضي توقيعَ 14 اتفاقية، تَنَوّعت في مجالات الفضاء والعلوم والطاقة المتجددة، وهي في طور التطبيق ميدانياً؛ مما دفع علاقة البلدين إلى الأمام؛ حيث أُعلن خلال الزيارة رفع مستواها إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى.
وعكست هذه الزيارة -من خلال الأرقام والحقائق- مدى عُمق وثبات العلاقة، وبيّنت سعي البلدين للانطلاق في طريق الشراكة لتحقيق أهدافهما الوطنية، ورفع مستوى العلاقة الذي اعتمد على المنافع الاقتصادية المتبادلة كأساس يستند عليه في سوق مشتركة ما زالت تجذب المزيد من الشركات في كلا البلدين.
مزود رئيسي للنفط
وقد زادت التجارة بين المملكة والصين بشكل كبير منذ عام 2000؛ ففي عام 2005 نمت التجارة إلى 59%، وتجاوزت المملكة العربية السعودية أنغولا كأكبر مصدّر نفط للصين، وتقوم شركة سابك بتصدير بتروكيماويات للصين بقيمة أكثر من ملياريْ دولار سنوياً.
وفي عام 2008، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والسعودية 32 مليار يورو؛ مما يجعل السعودية أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا. وفي الربع الأول من عام 2010، وصلت صادرات النفط السعودي إلى الصين لأكثر من مليون برميل، وتجاوز حجم صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتحرص المملكة على الاستثمار في المشاريع ذات الصلة بالنفط؛ باعتبارها وسيلة لتأمين وضعها كمزود رئيسي للنفط إلى الصين وعلى سبيل المثال، في عام 2004، استثمرت ارامكو في الصين بقيمة ثلاثة مليارات دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات في مقاطعة فوجيان جنوب شرق الصين، التي تعالج ثمانية ملايين طن من النفط الخام السعودي.
وفي عام 2006، وافقت المملكة والصين على بناء منشأة لتخزين النفط في جزيرة هاينان في الصين، وفي 6 إبريل 2012، أعلنت شركة سابك خطة استثمارية جديدة بقيمة 100 مليون دولار لإنشاء مركز تكنولوجيا جديدة في شنغهاي.
وبرغم أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين المملكة والصين لم تنشأ حتى 1990؛ لكن العلاقات الدفاعية بدأت في 1980عندما اتفقت السعودية مع الصين في عام 1988 للحصول منها على نحو 50 صاروخاً من نوع دونغفنغ3 متوسطة المدى.
مساعدات للصين
ويثمّن الصينيون الموقفَ السعودي في مايو عام 2008 بعد وقوع الزلزال في سيتشوان الصينية، حين قرر الملك عبدالله آنذاك التبرع بـ50 مليون دولار، وتقديم المساعدة المادية بقيمة 10 ملايين دولار، والتي عُدّت وقتها أكبر مساعدة خارجية، ألحقتها المملكة بتقديم المملكة 1460 غرفة متنقلة، والتبرع بـ1.5 مليون دولار لإعادة الإعمار في منطقة الزلزال.
وحرصاً من السعودية على مواصلة تعزيز الشراكة الاقتصادية، استثمرت المملكة 150 مليون دولار لبناء "الجناح السعودي" في "إكسبو شنغهاي الصين 2010"؛ حيث يُعَد الجناح السعودي من أكثر الأجنحة زيارة وإقبالاً وقتها.
وفي عام 2013، وجّهت الدعوة للصين كضيف شرف في مهرجان الجنادرية السعودي؛ حيث تلاقت الفعاليات الثقافية الصينية مع التراث السعودي، وحظيت الفعاليات الصينية بإقبال كثيف.
وبعد هذه الدعوة، حضرت السعودية كضيف شرف في الدورة العشرين لمعرض الكتاب الدولي في بكين 2013؛ حيث عرضت للشعب الصيني الثمرات الإنسانية السعودية بما فيها الثقافة والآداب والطب.