القائمة الأخيرة

القائمة الأخيرة

في فيلم The bucket list جمَع مرض السرطان "إدورد كول" الرجل الثري بالميكانيكي الكادح "كارتر شامبر" في غرفة واحدة، كان "إدورد" الساخر يمثل الظروف والبيئة التي تحيط به التي تُشَكّلنا عادة؛ فبدا مهتماً بالمتع والملذات، وعلى النقيض من ذلك بدا زميله مفكراً متأملاً ممسكاً في كثير من المشاهد بكتاب، وفي إحدى الليالي عندما أنهى السيد "شامبر" جلسات العلاج الكيماوي منتظراً النتيجة التي سيخبره بها الطبيب صباحاً، أخرج ورقة وكَتَب فيها أشياء يرغب في أن يفعلها قبل الموت، وعندما رأى "إدورد" تلك الورقة لم يفهم تلك الأمور العميقة التي كتبها زميله بالغرفة، ثم أخبره أن هناك أشياء أفضل، وأضاف في الورقة أشياء مثل: (القفز المظلي، والسفر، وسباق السيارات). وظلا يتناقشان طويلاً في معاني تلك القائمة؛ ولكن عندما عَلِم الاثنان أن البرنامج العلاجي الذي خضعا له أثبت فشله، وأن الموت يزحف إليهما، اتفقا أن يحققا القائمة سوياً، وتلك القائمة سمحت لذلك العامل البسيط أن يجرّب أشياء لم تتسنَّ له مع الزواج وتربية الأبناء والمسؤوليات، وسمحت لذلك الثري أن يلامس العمق، وتمكّن الاثنان من تحقيق تلك القائمة بشكل عجيب؛ حدث بتلقائية أحياناً أو بالصدفة في أحيان أخرى، أو بطريقة تبادلية أو مشتركة ولم تنتهِ القصة إلا بشطب آخر تلك الأماني، وكان أهمها "أن أكون سبباً في تغيير حياة إنسان"؛ فقد تغيرت حياة الصديقين بالفعل.

هذا الفيلم القديم ذكّرني بكتاب ابتعته في مرحلة شعرت فيها بأن الكتب بدأت تتناسخ، وبقيتُ في المكتبة وقتاً طويلاً أبحث عن مادة مختلفة، ووجدت كتاب "خمسة أمور يندم عليها المرء عند الموت"، أثارني عنوان الكتاب وأثارني أن مادة الكتاب تستعرض الحوارات الأخيرة في حياة المحتضرين، أردت أن أعرف أهم الأشياء التي تزور الناس قبل الموت، شعرت أنها ستكون أكثر الأشياء صدقاً وواقعية في حياة المرء.

في البداية وجدت صعوبة في قراءة الكتاب، كان مؤلماً بطريقة ما، ليس لأن كاتبته أسرفت في وصف الآلام الجسدية؛ بل لأنني لم أكن أملك خلفية عن كيف يموت الناس ببطء، وعند الانتهاء من الكتاب، تَوَصّلت لذات النتيجة التي توصلت لها مع مشاهدة الفيلم، وبرغم مقدار تأثيرهما عليّ؛ فإني وجدت أن مادتهما حفيّة بالحياة بكونها مشروعاً للسعادة والطموح لتحقيق الإنجازات. لم أجد أن هؤلاء تفكروا في ماهية الحياة، وعما هم مقبلون عليه من حياة جديدة؛ للغياب للوحدة التي ربما يشعران بها من الآن؛ فعند الموت قد نراجع الماضي؛ ولكننا سنكون منهمكين في التفكير بما ينتظرنا؛ فلا بد أن نراجع الماضي من منظور ما ينتظرنا في المستقبل -إذا جاز الوصف- وخاصة مع وجود الإيمان باليوم الآخر، ربما العالم الغربي المنهمك في مشاريعه الدنيوية لا يعي هذه الحقيقة كما نعيها نحن المسلمون؛ فهناك فرق بين مرحلة الاحتضار ومرحلة الشيخوخة؛ قد تكون متقاربة من زوايا؛ إلا أن كلاً منهما تعتبر مرحلة مختلفة مستقلة وإن بدت متداخلة، قد نجد عند الكهول ندماً على بعض التوجهات أو الأمور التي لم تنجز أو تحقيق أشياء عظيمة تظل ترسم صورهم في أذهان الآخرين لسنوات طويلة؛ لكن مرحلة الاحتضار ستكون بالتأكيد أكثر المراحل عمقاً.

هذا الأمر قادني للبحث عن كتاب يتناول المرحلة من منظور ديني؛ فوجدت كتاب "المحتضرين" لابن أبي الدنيا، قسّمه المؤلف لعدة أقسام تناولت الجوانب التي تدور في فلك هذه المرحلة، وجمع المؤلف فيه النصوص الشرعية والأقوال والقصص، وإن كنت لم أنتهِ من قراءته بعد؛ إلا أني واثقة بأني سأحصل على الفرق لا محالة.

القوائم في حياتنا سلسلة طويلة لا تكاد تنقضي، فهي تتوالد خلال مراحل حياتنا المختلفة قبل التخرج وبعده، عند الزواج أو الإنجاب، وتبرز كل قائمة لتشكل حاجة أو أمنية أو طموحاً يتجدد أو يُهذب أو يطمر أو يبعث، ونظل طوال حياتنا كالعبيد نعمل على تحقيق بنودها؛ حتى وإن لم ندوّنها، ولن تنتهيَ تلك القوائم إلا بخروجنا من هذه الحياة، كما أنها ستظل تتطور وتسمو وتكبر أو تبدو عقلانية أكثر كلما نضجنا.

وهنا أتساءل إذا كانت القائمة الأخيرة هي أهم قائمة في حياتنا وأكثرها منطقية؛ فلمَ نؤخر تنفيذها؟! أم أنها تحتاج إلى إرادة قوية تحركها كالإرادة التي تخلقها رائحة الموت، هل يمكن أن يحظى الجميع بزيارة ذلك المحرك القوي؟ كنت أقرأ لشابة صغيرة حققت شهرة جميلة في الكتابة بسنّ صغيرة، وقالت على سبيل الأمنية: "عند الستين أتمنى..."، ثم توفيت رحمها الله بعد أيام قلائل وهي في رحاب العشرين.

فهل ستؤجل التنفيذ اليوم؟

ثم ما هي قائمتك الأخيرة؟

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org