القانون الأمريكي لعبة ابتزاز

القانون الأمريكي لعبة ابتزاز

توقيت تمرير قرار مجلس النواب الأمريكي قانون مقاضاة السعودية تحت مزاعم دور محتمل في أحداث 11 سبتمبر يؤكد أن النية كانت مبيَّتة لدى الساسة الأمريكيين، وأن المسألة كانت متوقفة على اختيار توقيت ذلك الإعلان.

جاء القانون مع تزايد التباين في رؤية البلدَيْن لحل قضايا المنطقة وأمنها ومستقبل أجيالها، الذي جعلته الولايات المتحدة رهن مقايضاتها السياسية مع روسيا وإيران في الوقت الذي عمل فيه الرئيس أوباما على تحييد بل منع المملكة العربية السعودية وباقي الدول المؤثرة إقليميًّا من المشاركة في حل قضايا المنطقة رغم أننا أول وأكثر من يتأثر بتلك القضايا الدامية، وخصوصا الملف السوري وأمن الخليج العربي. كما يأتي بالتزامن مع مرحلة الانعتاق السياسي الذي تمارسه السعودية بنجاح تام بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الخروج عن أقواس السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا، ومع تصدي السعودية لمسؤولياتها تجاه الأمن القومي العربي وتجاه حفظ أمن واستقرار دول المنطقة، وحل الملفات السياسية وفق الرؤية السعودية القائمة على تحقيق مصلحة المنطقة كلها. كما يأتي متزامنًا مع انسحاب أمريكي محموم من المنطقة، ومع التردد المهين الذي يمارسه أوباما تجاه حل الملفات الدامية في المنطقة، وخصوصًا في سوريا، التي شهدت تقاربًا أمريكيًّا إيرانيًّا روسيًّا، وتحييدًا متعمدًا لدور السعودية وتركيا، وتجاهلاً وتهميشًا لأي دور أوروبي.

أراد المشرعون الأمريكيون من خلال هذا القانون أن يكون لديهم سيفٌ مشهرٌ ضد أي دولة تعمل على أخذ حقوقها، أو التحرر من الفلك الأمريكي؛ ليمارسوا من خلاله الابتزاز السياسي، تمامًا كما مارسته الصهيونية ضد دول العالم بقانون معاداة السامية ومحارق الهولوكست.

إن علاقات السعودية - الأمريكية وهي تمتد لثمانية عقود من التعاون وتبادل المصالح مرت في بعض فتراتها بمراحل حرجة، وضعتها على مفترق طرق، إلا أن حكمة ورغبة الحكومتين حمت تلك العلاقات الاستراتيجية من الانهيار؛ لذلك أعتقد أن الرئيس المتردد أوباما وهو يلملم أوراقه مغادرًا البيت الأبيض مطالَب بأن يحمي تلك العلاقات من المصالح الضيقة وقصيرة النظر، وأن يؤكد للسعودية ولدول العالم كافة أن استثماراتها محمية بالقوانين، وليست عرضة لأطماع ومماحكات أو مقايضات سياسية، وإلا فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها في عزلة اقتصادية بسبب هروب رؤوس الأموال والاستثمارات الدولية الموثوق بها إلى دول أكثر أمنًا وأبعد عن النزاعات الدينية والفكرية والعنصرية الأمريكية.

أعتقد أن السعودية وهي من أكبر عشر دول دائنة للولايات المتحدة تملك من قوى الضغط ما لا يملكه غيرها، وخصوصًا أنها تستثمر أكثر من 700 مليار دولار في الداخل الأمريكي. هذا الرقم وهذه المكانة الاقتصادية والسياسية للمملكة يجعلان مجرد أي تلويح سعودي بسحب الاستثمارات أو طرحها للبيع كفيل بهز الاقتصاد الأمريكي إلا أن السعودية تؤمن بالتشارك في رغد العيش مع الجميع بشرط أن لا تمس سيادتها وأمنها الوطني والقومي، وأن تحمي مصالحها ومستقبل أجيالها.

المصالح المتقاطعة بين العديد من الجهات داخل الولايات المتحدة وخارجها حركت لوبياتها لتعجيل تمرير هذا القانون ضد المملكة العربية السعودية، وبوجه أخص اللوبي الصهيوني المتغلغل في مفاصل الإدارة الأمريكية، إضافة إلى اللوبي الإيراني المتنامي، الذي بدأ هو الآخر ينشط بشكل ملموس في الكونجرس الأمريكي؛ ما يعني تكالب الصهيونية والصفوية مع ضعف واضح في إدارة الرئيس أوباما الذي يريد أن يرحِّل كل مشاكله وقضاياه دون حل إلى مَنْ سيخلفه في البيت الأبيض. وما يؤلم أننا كنا نعلم أن هذا القرار سيُطرح للتصويت إن عاجلاً أو آجلاً، لكن لم تتخذ السفارة خطوات عملية ملموسة لمحاولة عرقلة تمريره أو حتى تأجيله؛ وذلك لأن اللوبي السعودي لا يزال وليدًا؛ ولم يتمكن من مد جسوره، بل إن التوصل السياسي مع الأمريكيين كان يركز على الإدارة الأمريكية والخارجية والدفاع، أما اللقاءات مع النواب والمشرعين فتكاد تكون محدودة ومعدودة المرات، مع أنهم هم من يمرر ويحكم ويقاضي؛ وكان علينا أن نمد جسور الصداقة الحقيقية مع البرلمانيين الأمريكيين أكثر من السياسيين، أو بالتوازي معهم.

المرحلة المقبلة تتطلب جهدًا إعلاميًّا سعوديًّا كبيرًا، عماده توحُّد الأقلام والأفواه والمؤسسات الإعلامية، واصطفافها بكل اللغات مع القيادة السياسية دون أن ينبري أحد من الكتّاب ليمارس النرجسية الساذجة، ويقول "نعم إننا أخطأنا تجاه العم سام"!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org