عندما أدخل تويتر ، أشعر أن من يتحدث هناك من خارج النظام الشمسي الخاص بنا . هذا الشعور يمتلكني وقد يتملكك أنت أيضا ، يجعلنا نسأل : هل ما يحدث في تويتر يعبر عن الرأي العام الحقيقي ؟ في تويتر الجميع يشيطن الجميع، أي مؤسسة، أو فكرة أو شخص يتم اختصاره داخل هاشتاغ لتأتي الآراء متقطعة دون سياقها لتصب في خانة الشيطنة . البعض يركب "الهاشتاغ" ولا يمكن تجاهل فرصة استثماره في زيادة عدد المتابعين، فيقوم بالشيطنة معهم كي لا يخرج عن القطيع ، إلى جانب أن من يدلي برأيه هو بالأساس شخص لا يملك الخبرة اللازمة في فهم حيثيات ما يحدث.
مثلا، في الأسابيع الماضية ، بثت قناة العربية برنامج "حكاية حسن"، وإن كان محتوى البرنامج غير محترف إلى درجة ظن المشاهدون أن هناك حملة علاقات عامة . ولكن كيف تعامل رواد "تويتر" ؟ على الفور، وبسبب برنامج واحد اعتبرت العربية خائنة عن النهج السعودي، واعتبرت أنها تخدم مصالح حزب الله.
الشيطنة هنا تجعل من يقول هذا القول في تويتر بطلاً من وجهة نظر المتابعين، دون أن يكون واعيا ومدركا بأن قناة العربية دائما اجندتها سعودية رغم أنف من لم يستوعب ذلك .
ولكن هل مشاريع الشيطنة ضد المؤسسات أو الأفكار أو الأشخاص تكون طفحا فكريا شاذا ؟ لا أعتقد، فأنا أؤمن بأن هناك مهندسين يقومون بتوجيه التحركات تجاه حدث معين، هناك خلايا لصناعة أزمات تستنزفنا فكريا بعيدا عن الاهداف الرئيسية ، ويتم صناعة اعداء وهميين من لحمنا ودمنا كي نأكل بعضنا بعضا .
لا يعني ذلك أن نصادر حق الاخرين في التعبير عن رأيهم في تويتر، ولكننا علينا مصادرة من يقوم بهندسة الازمات لتفريغ طاقتنا وخلط أوراقنا ، وأن لا نتخيل ونفترض لمجرد الافتراض دون اثبات، او دون استخدام ادوات المنطق في الافتراض والنفي، ويأتي أحدهم بعدها ليقول أن هناك إعلاميين سعوديين يعملون ضد المملكة لمجرد ان هذا الإعلامي اطاره النظري في الممارسة الفكرية يطلقون عليه "ليبرالية" .
مسألة التخوين لمجرد اختلاف الطريقة هي خيانة بحد ذاتها، عندما تحاول تشويه مخالفك من أجل إثبات تشوه وجهة نظره، من وجهة نظرك . وفي المقابل، تمنح المبررات وتبيض ساحة من أخطأ لمجرد أنه ينتمي إلى إطارك الفكري،بغض النظر عن كون الخطأ قد يسيء إلى هذا الفكر والذي انتقاده بموضوعية يضمن تحسينه.
وكما يقول المثل الإنجليزي " الشيطان يكمن في التفاصيل"، لذلك علينا أن ننظر إلى الصورة الكلية، وتجزئتها إلى تفاصيل صغيرة هي التي تشيطن الأشياء لأننا لن نستطيع رؤية المشهد كاملا ً.
لذلك عزيزي المغرد، عليك أن تعلم بأن المعلومة التي تصلك في 140 حرفا تمنحك حقك في البحث عن تفاصيلها، ولا يكفي أن تشكل رأيك بناء على سوء النوايا المسبقة، أو تجعل أحدا يفكر عنك ويعبر عن رأيك لتتبعه في قطيع الإطار الفكري الذي تنتهجه . وعليك أولاً وآخراً قبل دخول تويتر أن تقول " اللهم إني أعوذ بك من الشياطين".