المرأة في فرنسا تحت المجهر!

المرأة في فرنسا تحت المجهر!
تم النشر في

كنت أظن أن أوضاع المرأة في فرنسا نموذجًا يحتذى، وأن فرنسا بالنسبة للمرأة هي "يوتوبيا" المدينة الفاضلة التي ملأ بها أفلاطون الدنيا، وشغل الناس! ومبعث ظني هذا هو أن فرنسا هي مهد القانون ودولته؛ فمنها استمدت أو استلهمت العديد من الدول قوانينها! ولا تجد فقيهًا أو خبيرًا قانونيًّا يتناول مسألة في إطار الدراسات القانونية المقارنة ونحوها إلا ويذكر القانون الفرنسي في مستهل القوانين موضع الدراسة. المبعث أو السبب الثاني يتعلق بما يُنشر في وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية بشكل عام، سواء عن أوضاع المرأة في فرنسا على سبيل الإشادة، أو عن النساء في الدول الأخرى، خاصة عن المرأة في السعودية، على سبيل الانتقاد، وربما الوصم! فمن ينتقد أوضاع المرأة في بلد ما يُشعرك بوجه أو بآخر بأن أوضاع المرأة في بلده غاية في التمام! هذا بالإضافة إلى أنها دولة متقدمة، وتشغل حيزًا في مصاف دول المركز.

ولكن بعد تصفحي السريع عددًا من الوثائق، خاصة الصادرة عن آليات الأمم المتحدة بشأن أوضاع المرأة في فرنسا، فوجئت إلى حد الصدمة بالملاحظات المرصودة في تلك الوثائق، التي تتحدث عن انتهاكات، لا يتصور حدوثها في دولة موغلة في التخلُّف! فكيف تحدث في دولة متقدمة كفرنسا، وعاصمتها عاصمة النور!

وبحسب الوثائق التي أشرت إليها، لوحظ معاناة المرأة اللاجئة في فرنسا فيما يتعلق بالوصول إلى الغذاء والمياه النقية والمرافق الصحية والرعاية الطبية والدعم النفسي والمشورة القانونية، وارتفاع مستويات التعرُّض للعنف والاستغلال، وجهل النساء بحقوقهن، والتكاليف وطول الإجراءات وعدم كفاية المساعدة القانونية، وعدم المساواة في تطبيق قانون مناهضة التمييز. كما أن النساء والفتيات المنتميات إلى الفئات المحرومة يعانين من حالة هشة في الحياة السياسية والتعليم والعمل والصحة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء والفتيات المسلمات يتعرضن بصورة متزايدة لخطر التمييز والأعمال المرتبطة بكراهية الإسلام بناء على عوامل، يتداخل فيها الجنس والدين، فضلاً عن الأصل. وما زالت وسائط الإعلام والإعلانات التجارية مستمرة في نقل صور نمطية، وذات إيحاءات جنسية عن المرأة. كما لوحظ انخفاض معدل الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي ضد المرأة، بما في ذلك حالات الاغتصاب، وانخفاض معدلات المحاكمة والإدانة؛ ما يفضي إلى إفلات مرتكبي العنف من العقاب، وعدم إبلاغ العديد من النساء المهاجرات عن حالات العنف الأسري بسبب اعتمادهن على العشير في الحصول على تصاريح الإقامة، وعدم تقديم المساعدة إلى النساء والفتيات الراغبات في ترك البغاء، بما في ذلك توفير فرص بديلة لإدرار الدخل. ولوحظ كذلك زيادة معدلات الحمل في وسط المراهقات، ولاسيما في الأقاليم الواقعة فيما وراء البحار، وفي أوساط الفئات المحرومة من النساء، وتفاوت سُبل الحصول على خدمات الرعاية الصحية حسب مكان سكن النساء والفتيات، وارتفاع معدل الوفيات النفاسية في جزيرة مايوت وغيانا الفرنسية، الذي يُعزى أساسًا إلى التأخر في حصول العديد من النساء الأجنبيات على خدمات التوليد. كما أن هناك قدرًا كبيرًا من السكان الأصليين والقبليين في غيانا الفرنسية، ونصف سكان مايوت، لا يملكون شهادات الميلاد وبطاقات الهوية.

كما أُخذ على فرنسا عدم إجراء تقييم شامل حديث للقانون رقم 2004-228، الذي يحظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس؛ ما يحول دون معرفة إمكانية تقييد القانون المذكور لتمتع الفتيات بحقهن في التعليم أو حرمانهن منه، وأثره على إشراكهن في جميع جوانب المجتمع الفرنسي، وارتفاع عدد الفتيات اللائي يعانين التمييز والتحرش الجنسي في المدارس، والعدد المتفاوت لفتيات المهاجرين والروما والسكان الأصليين والمصابات بالتوحد، فضلاً عن الفتيات المنحدرات من جماعات الأقليات وذوات الإعاقة اللائي لا يزلن يواجهن صعوبات في الحصول على تعليم جيد.

والغريب أن فرنسا لم تأخذ بعد بمبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي، ولا يزال هناك فجوة في الأجور بين الجنسين في القطاعين العام والخاص، كما لوحظ محدودية وصول المهاجرات واللاجئات وملتمسات اللجوء ونساء الروما، وكذلك النساء المنتميات إلى جماعات الأقليات الأخرى وذوات الإعاقة، إلى سوق العمل. ومن الملاحظات في هذا السياق – أيضًا - تمكُّن أرباب العمل - وفقًا لقانون "الخمري" - من إدراج مبدأ "الحياد" في النظام الداخلي للمؤسسة بقرار انفرادي، الذي بموجبه يحظر على النساء المسلمات ارتداء الحجاب في إطار العمل!

ولوحظ الاكتظاظ الشديد في السجون، والعزل عن الأسر (بسبب المسافة الجغرافية بين السجون القليلة التي تضم أقسامًا للنساء)، كما لوحظ انخفاض تمثيل المرأة في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وفي الاتحادات الرياضية والمؤسسات الثقافية!

ما تقدم يؤكد بجلاء أن المرأة في العالم ما زالت من الفئات الأكثر عرضة للانتهاكات (Vulnerable group)، وأن الادعاء بأنها تجاوزت هذه المرحلة في ظل القانون الدولي لحقوق الإنسان ليس إلا ترفًا فكريًّا، يروِّجه البعض، ويكذِّبه الواقع!

ختامًا، أؤكد لكم أنني لست من مناصري مبدأ "خير وسيلة للدفاع الهجوم"، بل على العكس؛ من مناصري المبدأ الشرعي "رحم الله من أهدى لي عيوبي"! ومقتضى هذا الكلام أنني أرفض انتهاكات حقوق المرأة في أي مكان من هذا العالم، ابتداء ببلدي الذي أتمنى أن تنعم فيه المرأة بحقوقها وكرامتها دون أي انتقاص أو إقلال دائمًا وأبدًا! وبالقدر ذاته، أرفض ادعاء المثالية، خاصة في مجال حقوق الإنسان!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org