حلَّ اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية في الخامس والعشرين من سبتمبر مطلع هذا الأسبوع، وقبله بنحو يومَيْن كانت الذكرى السادسة والثمانون لتوحيد هذا الكيان الشامخ، وكانت هذا العام لافتة، من حيث تبادل الناس التهاني، وغابت تلك الفتاوى الاستباقية التي كان يطلقها البعض تحوُّطًا مبالغًا فيه عما يمكن أن يصاحب الاحتفاء بذكرى توحيد الوطن من شبهات، يعتقدها أولئك مدعاة للمعاصي.
احتفى الوطن قيادةً وشعبًا بذكرى توحيده، وشاركنا الأحبة والأشقاء والأصدقاء داخل الوطن وخارجه، واستعرضت الدولة إنجازاتها على الأصعدة كافة: شيدت، ونظمت، ودعمت، وطورت، وبنت إنسانًا عصريًّا في قفزات تنموية مذهلة، شواهدها نهضة مباركة، عمت أرجاء البلاد، وعم نفعها العباد، من أقصى البلاد إلى أقصاها.
اتجهتُ في ذلك اليوم إلى جنوب محافظة جدة، حيث مراحل صناعية أربع، تعج بمئات المصانع والشركات المدعومة من الدولة. تساءلت: ماذا قدمت هذه المنشآت الأهلية للوطن وللمواطن؟ ماذا قدمت في إطار ما يُعرف عالميًّا بالمسؤولية الاجتماعية، وقد منحتها الدولة القروض والأراضي والدعم الذي يمكِّنها من المنافسة بقوة في الأسواق المحلية والعالمية؟ لست ضد الاستعانة بخبرات أجنبية - على سبيل المثال - في تشغيل تلك المصانع، ولكن ماذا عن خطط الإحلال والتوطين؟ أين مبادرة تلك المنشآت، حتى وإن بادر بعضها على استحياء بتوطين بعض الوظائف فإنها – وللأسف - مبادرات المكره، أو تأتي طمعًا في دعم برنامج هدف. في اعتقادي، إن سير تلك المنشآت بهذا المنهجية تجاه الوطن سيكون عواقبه وخيمة على مستقبل تلك المنشآت، من خلال تكوُّن انطباع سلبي عنها لدى المستهلك المحلي؛ وبالتالي إحجامه عن خدماتها، واقتناء منتجاتها؛ وبالتالي دخول تلك المنشآت في وحل سوء السمعة، وفي نهاية المطاف دخولها في خسائر تشغيلية، تنتهي باستنزاف رؤوس الأموال وإفلاسها.
إن إحجام القطاع الخاص عن مساندة جهود الدولة في التنمية والتوطين، ومكابرة إدارات تلك المنشآت عن تقديم أي برامج مجتمعية وتنموية حقيقية وهادفة، لأمرٌ يحتاج إلى البحث، وأن تدرس الجهات المعنية فرض نسبة من الأرباح السنوية لتلك المنشآت، خاصة البنوك منها، تتناسب ومدى ربحيتها وفقًا للقوائم المالية لتلك المنشآت، وأن يكون بند المسؤولية من البنود الإلزامية في أنشطتها، على أن تخضع ما تعلنه من برامج مجتمعية في هذا الإطار للتقييم من قِبل الغرف التجارية في لجان تُخصَّص لهذا الغرض.
فالهدف هو ردم الهوة بين القطاع الخاص والمواطن، وإحداث نوع من التواصل الإيجابي، وصولاً إلى تطبيق الرؤى الوطنية الطموحة؛ فلم يعد الاعتماد على الاقتيات الحكومي مجديًا لتلك المنشآت، وأن عليها أن تفكر في تفاعل إيجابي، يحقق التوازن المجتمعي بمسؤولية تجاه الوطن والمواطن.